responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 251
[فَصْلٌ هَلْ تُحِيطُ النُّصُوصُ بِحُكْمِ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ]
فَصْلٌ [اخْتَلَفُوا هَلْ تُحِيطُ النُّصُوصُ بِحُكْمِ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ]
وَالنَّاسُ انْقَسَمُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ قَالَتْ: إنَّ النُّصُوصَ لَا تُحِيطُ بِأَحْكَامِ الْحَوَادِثِ، وَغَلَا بَعْضُ هَؤُلَاءِ حَتَّى قَالَ: وَلَا بِعُشْرِ مِعْشَارِهَا، قَالُوا: فَالْحَاجَةُ إلَى الْقِيَاسِ فَوْقَ الْحَاجَةِ إلَى النُّصُوصِ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إنَّ هَذَا مِقْدَارُ النُّصُوصِ فِي فَهْمِهِ وَعِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ لَا مِقْدَارُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ بِأَنَّ النُّصُوصَ مُتَنَاهِيَةٌ، وَحَوَادِثَ الْعِبَادِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَإِحَاطَةَ الْمُتَنَاهِي بِغَيْرِ الْمُتَنَاهِي مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ فَاسِدٌ جِدًّا مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا أَنَّ مَا لَا تَتَنَاهَى أَفْرَادُهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُجْعَلَ أَنْوَاعًا، فَيُحْكَمَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ فَتَدْخُلَ الْأَفْرَادُ الَّتِي لَا تَتَنَاهَى تَحْتَ ذَلِكَ.
النَّوْعِ الثَّانِي: أَنَّ أَنْوَاعَ الْأَفْعَالِ بَلْ وَالْأَعْرَاضِ كُلِّهَا مُتَنَاهِيَةٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ عَدَمُ تَنَاهِيهَا فَإِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ الْمَوْجُودَةَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مُتَنَاهِيَةٌ، وَهَذَا كَمَا تُجْعَلُ الْأَقَارِبُ نَوْعَيْنِ: نَوْعًا مُبَاحًا، وَهُوَ بَنَاتُ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَبَنَاتُ الْخَالِ وَالْخَالَةِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ يُجْعَلُ مَا يُنْقِضُ الْوُضُوءَ مَحْصُورًا، وَمَا سِوَى ذَلِكَ لَا يُنْقِضُهُ؛ وَكَذَلِكَ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ، وَمَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْمُحْرِمُ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ أَرْبَابُ الْمَذَاهِبِ يَضْبِطُونَ مَذَاهِبَهُمْ وَيَحْصُرُونَهَا بِجَوَامِعَ تُحِيطُ بِمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ عِنْدَهُمْ مَعَ قُصُورِ بَيَانِهِمْ فَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي بِالْكَلِمَةِ الْجَامِعَةِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ عَامَّةٌ وَقَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ تَجْمَعُ أَنْوَاعًا وَأَفْرَادًا وَتَدُلُّ دَلَالَتَيْنِ دَلَالَةَ طَرْدٍ وَدَلَالَةَ عَكْسٍ.
وَهَذَا كَمَا سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ كَالْبِتْعِ وَالْمِزْرِ، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ فَقَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ، وَ «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» «وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ رِبًا» «وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» «وَكُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» «وَكُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» «وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» «وَكُلَّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» وَسَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ جَامِعَةً فَاذَّةً: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] فَدَخَلَ فِي الْخَمْرِ كُلُّ مُسْكِرٍ، جَامِدًا كَانَ أَوْ مَائِعًا مِنْ الْعِنَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَدَخَلَ فِي الْمَيْسِرِ كُلُّ أَكْلِ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَكُلُّ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ يُوقِعُ فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَيَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ.
وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] كُلُّ يَمِينٍ مُنْعَقِدَةٍ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4]

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 251
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست