responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 271
بَقِيَ الْأُخْتَانِ وَالْأَخَوَانِ، فَهَذَا مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ الصَّحَابَةُ فَجُمْهُورُهُمْ أَدْخَلُوا الِاثْنَيْنِ فِي لَفْظِ الْإِخْوَةِ، وَأَبَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَنَظَرُهُ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَنَظَرُ الصَّحَابَةِ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْنَى وَأَوْلَى بِهِ، فَإِنَّ الْإِخْوَةَ إنَّمَا حَجَبُوهَا إلَى السُّدُسِ لِزِيَادَةِ مِيرَاثِهِمْ عَلَى مِيرَاثِ الْوَاحِدِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً أَوْ أَخًا وَاحِدًا لَكَانَ لَهَا الثُّلُثُ مَعَهُ، فَإِذَا كَانَ الْإِخْوَةُ وَلَدَ أُمٍّ كَانَ فَرْضُهُمْ الثُّلُثَ اثْنَيْنِ كَانَا أَوْ مِائَةً، فَالِاثْنَانِ وَالْجَمَاعَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كُنَّ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَوْ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَفَرْضُ الثِّنْتَيْنِ وَمَا زَادَ وَاحِدٌ، فَحَجْبُهَا عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِاثْنَيْنِ كَحَجْبِهَا بِثَلَاثَةٍ سَوَاءٌ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَلْبَتَّةَ.
وَهَذَا الْفَهْمُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ، وَهُوَ مِنْ أَدَقِّ فَهْمِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ طَرْدُ ذَلِكَ فِي الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأَبَوَيْنِ لِمَعْنًى يَقْتَضِيهِ، وَهُوَ تَوْفِيرُ السُّدُسِ الَّذِي حُجِبَتْ عَنْهُ لَهُمْ لِزِيَادَتِهِمْ عَلَى الْوَاحِدِ نَظَرًا لَهُمْ وَرِعَايَةً لِجَانِبِهِمْ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَاعِدَةَ الْفَرَائِضِ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ اخْتَصَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْوَاحِدِ اشْتَرَكَ فِيهِ الِاثْنَانِ وَمَا فَوْقَهُمَا كَوَلَدِ الْأُمِّ وَالْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِلْأَبِ، وَالْحَجْبُ هَهُنَا قَدْ اخْتَصَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الِاثْنَانِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ وَالْمِيزَانُ الْمُوَافِقُ لِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَفَهْمِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] يَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ الثِّنْتَانِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ دُخُولِهِمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا سَيَأْتِي.
فَهَكَذَا دُخُولُ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِخْوَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ لَفْظَ الْإِخْوَةِ كَلَفْظِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَالْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ، وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الَّذِي جَاوَزَ الْوَاحِدَ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى اثْنَيْنِ، فَكُلُّ حُكْمٍ عُلِّقَ بِالْجَمْعِ مِنْ ذَلِكَ دَخَلَ فِيهِ الِاثْنَانِ كَالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَفْظُ الْجَمْعِ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الْمُتَكَثِّرِ أَعَمَّ مِنْ تَكْثِيرِهِ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْمَثْنَى قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُتَعَدِّدُ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَعَدُّدُهُ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ، نَحْوُ: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] وَدَلَالَتُهُمَا حِينَئِذٍ عَلَى الْجِنْسِ الْمُتَكَثِّرِ، وَأَيْضًا فَاسْتِعْمَالُ الِاثْنَيْنِ فِي الْجَمْعِ بِقَرِينَةٍ وَاسْتِعْمَالُ الْجَمْعِ فِي الِاثْنَيْنِ بِقَرِينَةٍ جَائِزٌ بَلْ وَاقِعٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ - سُبْحَانَهُ - قَالَ: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْأَخَ الْوَاحِدَ وَالْأُخْتَ الْوَاحِدَةَ كَمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ فَوْقَهُمَا، وَلَفْظُ الْإِخْوَةِ وَسَائِرُ أَلْفَاظِ الْجَمْعِ قَدْ يُعْنَى بِهِ الْجِنْسُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّعَدُّدِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173] وَقَدْ يُعْنَى بِهِ الْعَدَدُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ بَلْ لِجِنْسِ التَّعَدُّدِ، وَقَدْ يُعْنَى بِهِ الِاثْنَانِ وَمَا زَادَ، وَالثَّالِثُ يَتَنَاوَلُ الثَّلَاثَةَ فَمَا زَادَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَإِذَا قُيِّدَ اخْتَصَّ بِمَا قُيِّدَ بِهِ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 271
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست