responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 299
لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَمِنْهَا أَنَّ رُوَاةَ أَحَادِيثِ الْوُضُوءِ بَعْضُهُمْ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ كَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أُمِرْنَا بِالْوُضُوءِ لِأَجْلِهِ مِنْهَا هُوَ اكْتِسَابُهَا مِنْ الْقُوَّةِ النَّارِيَّةِ وَهِيَ مَادَّةُ الشَّيْطَانِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا وَالنَّارُ تُطْفَأُ بِالْمَاءِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهَا، وَقَدْ ظَهَرَ اعْتِبَارُ نَظِيرِهِ فِي الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْ الْغَضَبِ، وَمِنْهَا أَنَّ أَكْثَرَ مَا مَعَ مَنْ ادَّعَى النَّسْخَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكَلَ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» وَهَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ، لَا عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ أَمْرِهِ وَفِعْلِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّسْخُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَافِي، وَتَحَقُّقِ التَّارِيخِ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ وَقَدْ يَكُونُ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَمَسِّ النِّسَاءِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ، فَالْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ مِنْهُمَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْقُوَّةُ الشَّيْطَانِيَّةُ فِي لُحُومِ الْإِبِلِ لَازِمَةً كَانَ الْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا لَا مُعَارِضَ لَهُ مِنْ فِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ، وَلَمَّا كَانَ فِي مَمْسُوسِ النَّارِ عَارِضَةٌ صَحَّ فِيهَا الْأَمْرُ وَالتَّرْكُ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ لُحُومِ الْغَنَمِ فِي الْوُضُوءِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْغَنَمِ فِي مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، فَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَأَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ دُونَ لُحُومِ الْغَنَمِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَلَمَّا كَانَتْ أَعْطَانُ الْإِبِلِ مَأْوَى الشَّيْطَانِ لَمْ تَكُنْ مَوَاضِعَ لِلصَّلَاةِ كَالْحُشُوشِ، بِخِلَافِ مَبَارِكِهَا فِي السَّفَرِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ هُنَاكَ عَارِضٌ، وَطَرْدُ هَذَا الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ.
وَفِي الْوُضُوءِ مِنْ اللُّحُومِ الْخَبِيثَةِ كَلُحُومِ السِّبَاعِ إذَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ رِوَايَتَانِ، وَالْوُضُوءُ مِنْهَا أَبْلَغُ مِنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَإِذَا عُقِلَ الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَعْدِيَتِهِ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصَلِّ الْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]
أَمَّا الْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ فَإِنَّمَا اعْتَقَدَ مَنْ قَالَ: " إنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ " - ذَلِكَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ الْفِطْرُ بِمَا دَخَلَ لَا بِمَا خَرَجَ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوهُ، بَلْ الْفِطْرُ بِهَا مَحْضُ الْقِيَاسِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِذِكْرِ قَاعِدَةٍ، وَهِيَ: أَنَّ الشَّارِعَ الْحَكِيمَ شَرَعَ الصَّوْمَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَقْوَمِهَا بِالْعَدْلِ، وَأَمَرَ فِيهِ بِغَايَةِ الِاعْتِدَالِ، حَتَّى نَهَى عَنْ الْوِصَالِ، وَأَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ، وَجَعَلَ أَعْدَلَ الصِّيَامِ وَأَفْضَلَهُ صِيَامَ دَاوُد، فَكَانَ مِنْ تَمَامِ الِاعْتِدَالِ فِي الصَّوْمِ أَنْ لَا يُدْخِلَ الْإِنْسَانُ مَا بِهِ قَوَامُهُ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا يُخْرِجَ مَا بِهِ قَوَامُهُ كَالْقَيْءِ وَالِاسْتِمْنَاءِ،

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 299
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست