responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 70
وَقَوْلُهُ: " فَمَا أَدْلَى إلَيْك " أَيْ مَا تَوَصَّلَ بِهِ إلَيْك مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي تَحْكُمُ بِهِ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَدْلَى فُلَانٌ بِحُجَّتِهِ، وَأَدْلَى بِنَسَبِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188] أَيْ تُضِيفُوا ذَلِكَ إلَى الْحُكَّامِ وَتَتَوَصَّلُوا بِحُكْمِهِمْ إلَى أَكْلِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى لَقِيلَ: " وَتُدْلُوا بِالْحُكَّامِ إلَيْهَا " وَأَمَّا الْإِدْلَاءُ بِهَا إلَى الْحُكَّامِ فَهُوَ التَّوَصُّلُ بِالْبِرْطِيلِ بِهَا إلَيْهِمْ فَتَرْشُوا الْحَاكِمَ لِتَتَوَصَّلُوا بِرِشْوَتِهِ إلَى الْأَكْلِ بِالْبَاطِلِ.
قِيلَ: الْآيَةُ تَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا إدْلَاءٌ إلَى الْحُكَّامِ بِسَبَبِهَا، فَالنَّهْيُ عَنْهُمَا مَعًا

. وَقَوْلُهُ: " فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ " وِلَايَةُ الْحَقِّ: نُفُوذُهُ، فَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ كَانَ ذَلِكَ عَزْلًا لَهُ عَنْ وِلَايَتِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِي الْعَدْلِ الَّذِي فِي تَوَلِّيَتِهِ مَصَالِحُ الْعِبَادِ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، فَإِذَا عُزِلَ عَنْ وِلَايَتِهِ لَمْ يَنْفَعْ وَمُرَادُ عُمَرَ بِذَلِكَ التَّحْرِيضُ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ إذَا فَهِمَهُ الْحَاكِمُ، وَلَا يَنْفَعُ تَكَلُّمُهُ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةُ تَنْفِيذِهِ، فَهُوَ تَحْرِيضٌ مِنْهُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْحَقِّ وَالْقُوَّةِ عَلَى تَنْفِيذِهِ، وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أُولِي الْقُوَّةِ فِي أَمْرِهِ وَالْبَصَائِرِ فِي دِينِهِ فَقَالَ: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص: 45] فَالْأَيْدِي: الْقُوَى عَلَى تَنْفِيذِ أَمْرِ اللَّهِ، وَالْأَبْصَارُ: الْبَصَائِرُ فِي دِينِهِ.

[وَاجِبُ الْحَاكِمِ]
وَقَوْلُهُ: " وَآسِ النَّاسَ فِي مَجْلِسِك وَفِي وَجْهِك وَقَضَائِك حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك " إذَا عَدَلَ الْحَاكِمُ فِي هَذَا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَهُوَ عُنْوَانُ عَدْلِهِ فِي الْحُكُومَةِ؛ فَمَتَى خَصَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ أَوْ الْقِيَامِ لَهُ أَوْ بِصَدْرِ الْمَجْلِسِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالْبَشَاشَةِ لَهُ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ كَانَ عُنْوَانُ حَيْفِهِ وَظُلْمِهِ، وَقَدْ رَأَيْت فِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ الْقَدِيمَةِ أَنَّ أَحَدَ قُضَاةِ الْعَدْلِ فِي بَنْيِ إسْرَائِيلَ أَوْصَاهُمْ إذَا دَفَنُوهُ أَنْ يَنْبُشُوا قَبْرَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَيَنْظُرُوا هَلْ تَغَيَّرَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، وَقَالَ: إنِّي لَمْ أُجِرْ قَطُّ فِي حُكْمٍ، وَلَمْ أُحَابِ فِيهِ، غَيْرَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيَّ خَصْمَانِ كَانَ أَحَدُهُمَا صِدِّيقًا لِي فَجَعَلْت أُصْغِي إلَيْهِ بِأُذُنِي أَكْثَرَ مِنْ إصْغَائِي إلَى الْآخَرِ، فَفَعَلُوا مَا أَوْصَاهُمْ بِهِ، فَرَأَوْا أُذُنَهُ قَدْ أَكَلَهَا التُّرَابُ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ جَسَدُهُ؛ وَفِي تَخْصِيصِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِمَجْلِسٍ أَوْ إقْبَالٍ أَوْ إكْرَامٍ مَفْسَدَتَانِ إحْدَاهُمَا: طَمَعُهُ فِي أَنْ تَكُونَ الْحُكُومَةُ لَهُ فَيَقْوَى قَلْبُهُ وَجِنَانُهُ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْآخَرَ يَيْأَسُ مِنْ عَدْلِهِ، وَيَضْعُفُ قَلْبُهُ، وَتَنْكَسِرُ حُجَّتُهُ.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 70
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست