responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 77
الْحَاصِلِ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَجَحْدُهُ، فَلَا نَظُنُّ بِالشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ الْفَاضِلَةِ الْمُنْتَظِمَةِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ أَنَّهَا تُهْمِلُ مِثْلَ هَذَا الْحَقَّ وَتُضَيِّعُهُ مَعَ ظُهُورِ أَدِلَّتِهِ وَقُوَّتِهَا، وَتَقْبَلُهُ مَعَ الدَّلِيلِ الَّذِي هُوَ دُونَ ذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي قَضِيَّةِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا فَلَمَّا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَيْهِمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهَادَةِ الْأَمَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ شَهَادَةَ الْعَبْدِ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ فَقَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّهُ إذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُكْمٍ يَلْزَمُ الْأُمَّةَ فَلَأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي حُكْمٍ جُزْئِيٍّ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَإِذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ فِي الْفَتْوَى فَلَأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ أَوْلَى وَأَحْرَى، كَيْفَ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ؟ فَإِنَّهُ مِنَّا وَهُوَ عَدْلٌ وَقَدْ عَدَّلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ» وَعَدَّلَتْهُ الْأُمَّةُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفَتْوَى، وَهُوَ مِنْ رِجَالِنَا فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَهُوَ مُسْلِمٌ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " وَهُوَ صَادِقٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِ، وَأَنْ لَا يُرَدَّ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تَرُدُّ خَبَرَ الصَّادِقِ، بَلْ تَعْمَلُ بِهِ، وَلَيْسَ بِفَاسِقٍ؛ فَلَا يَجِبُ التَّثَبُّتُ فِي خَبَرِهِ وَشَهَادَتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ تَمَامِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَعِنَايَتِهِ بِعِبَادِهِ، وَإِكْمَالِ دِينِهِمْ لَهُمْ، وَإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِشَرِيعَتِهِ؛ لِئَلَّا تَضِيعَ حُقُوقُ اللَّهِ وَحُقُوقُ عِبَادِهِ مَعَ ظُهُورِ الْحَقِّ بِشَهَادَةِ الصَّادِقِ، لَكِنْ إذَا أَمْكَنَ حِفْظُ الْحُقُوقِ بِأَعْلَى الطَّرِيقَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى كَمَا أَمَرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حِفْظِ الْحُقُوقِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَمْرُ الْأَمْوَالِ أَسْهَلُ؛ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ فِيهَا بِالنُّكُولِ، وَبِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَبِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ.
قِيلَ: هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ، وَالْحُجَّةُ أَنْ تَكُونَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَأَمَّا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ» لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ فِي الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَلَوْ كَانَ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَحْدَهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ شَرْعٍ عَامٍّ شَرَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا رُوِيَ مِنْ حُكْمِهِ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي قَضَايَا مُعَيَّنَةٍ قَضَى فِيهَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَهَذَا كَمَا لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ حُكْمِهِ بِتِلْكَ الْقَضَايَا لَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصُهُ بِالْأَمْوَالِ، كَمَا أَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الدُّيُونِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْأَعْيَانَ لَيْسَتْ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 77
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست