responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 79
فَقَوِيَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ وَالنُّكُولُ أَوْ يَمِينُ الطَّالِبِ عَلَى رَفْعِهَا، فَحُكِمَ لَهُ، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ حِكْمَةَ الشَّارِعِ، وَأَنَّهُ يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي تُبَيِّنُ الْحَقَّ وَهِيَ الدَّلِيلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالشَّاهِدُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ، بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ إذَا ظَهَرَ صِدْقُهُ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَقَدْ أَجَازَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَةَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لِأَبِي قَتَادَةَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِ وَدَفَعَ إلَيْهِ سَلَبَهُ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَحْلِفْ أَبَا قَتَادَةَ، فَجَعَلَهُ بَيِّنَةً تَامَّةً، وَأَجَازَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَحْدَهُ بِمُبَايَعَتِهِ لِلْأَعْرَابِيِّ، وَجَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَتَيْنِ لِمَا اسْتَنَدَتْ إلَى تَصْدِيقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّسَالَةِ الْمُتَضَمَّنَةِ تَصْدِيقَهُ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ، فَإِذَا شَهِدَ الْمُسْلِمُونَ، بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي خَبَرِهِ عَنْ اللَّهِ فَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى يَشْهَدُونَ أَنَّهُ صَادِقٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ تَرَاجُمِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ عَلَى حَدِيثِهِ " الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إذَا عُرِفَ صِدْقُهُ.

[فَصْل تُشْرَعُ الْيَمِينُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ]
وَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ أَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ، فَأَيُّ الْخَصْمَيْنِ تَرَجَّحَ جَانِبُهُ جُعِلَتْ الْيَمِينُ مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ؛ وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَلَا يُحَلَّفُونَ إلَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ، فَلَا يَجْعَلُونَ الْيَمِينَ إلَّا مِنْ جَانِبِهِ فَقَطْ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ؛ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ عَرَضَ الْأَيْمَانَ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى الْمُدَّعِينَ أَوَّلًا، فَلَمَّا أَبَوْا جَعَلَهَا مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَيْمَانَ اللِّعَانِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ أَوَّلًا، فَإِذَا نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ مُعَارَضَةِ أَيْمَانِهِ بِأَيْمَانِهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْعَذَابُ بِالْحَدِّ، وَهُوَ الْعَذَابُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا تَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ شُرِعَتْ الْيَمِينُ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَلِكَ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ تَرَجَّحَ جَانِبُهُمْ بِاللَّوَثِ فَشُرِعَتْ الْيَمِينُ مِنْ جِهَتِهِمْ وَأُكِّدَتْ بِالْعَدَدِ تَعْظِيمًا لِخَطَرِ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ فِي اللِّعَانِ جَانِبُهُ أَرْجَحُ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ قَطْعًا، فَإِنَّ إقْدَامَهُ عَلَى إتْلَافِ فِرَاشِهِ، وَرَمْيِهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَتَعْرِيضَ نَفْسِهِ لِعُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفَضِيحَةَ أَهْلِهِ وَنَفْسِهِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، مِمَّا يَأْبَاهُ طِبَاعُ الْعُقَلَاءِ، وَتَنْفِرُ عَنْهُ نُفُوسُهُمْ، لَوْلَا أَنَّ الزَّوْجَةَ اضْطَرَّتْهُ بِمَا رَآهُ وَتَيَقَّنَهُ مِنْهَا إلَى ذَلِكَ؛ فَجَانِبُهُ أَقْوَى مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ قَطْعًا، فَشُرِعَتْ الْيَمِينُ مِنْ جَانِبِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْقَتْلُ فِي الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ فَأَمَّا فُقَهَاءُ الْعِرَاقِ فَلَا يَقْتُلُونَ لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا، وَأَحْمَدُ يَقْتُلُ بِالْقَسَامَةِ دُونَ اللِّعَانِ،

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 79
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست