responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 81
وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الزِّنَا بِالْحَبَلِ، وَفِي الْخَمْرِ بِالرَّائِحَةِ وَالْقَيْءِ، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْمَسْرُوقُ عِنْدَ السَّارِقِ كَانَ أَوْلَى بِالْحَدِّ مِنْ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَالرَّائِحَةِ فِي الْخَمْرِ، وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي ظُهُورِ الْمَسْرُوقِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي الْحَبَلِ وَالرَّائِحَةِ، بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ الشُّبْهَةَ الَّتِي تَعْرِضُ فِي الْحَبَلِ مِنْ الْإِكْرَاهِ وَوَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ وَفِي الرَّائِحَةِ لَا يَعْرِضُ مِثْلُهَا فِي ظُهُورِ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ الَّتِي تَجْوِيزُ غَلَطِ الشَّاهِدِ وَوَهْمُهُ وَكَذِبُهُ أَظْهَرُ مِنْهَا بِكَثِيرٍ، فَلَوْ عُطِّلَ الْحَدُّ بِهَا لَكَانَ تَعْطِيلُهُ بِالشُّبْهَةِ الَّتِي تُمْكِنُ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْلَى، فَهَذَا مَحْضُ الْفِقْهِ وَالِاعْتِبَارُ وَمَصَالِحُ الْعِبَادِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى جَلَالَةِ فِقْهِ الصَّحَابَةِ وَعَظَمَتِهِ وَمُطَابَقَتِهِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَحِكْمَةِ الرَّبِّ وَشَرْعِهِ، وَأَنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ وَأَقْوَالِ مَنْ بَعْدَهُمْ كَالتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ الْقَائِلِينَ.
[لَمْ يَرُدَّ الشَّارِعُ خَبَرَ الْعَدْلِ]
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشَّارِعَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ لَمْ يَرُدَّ خَبَرَ الْعَدْلِ قَطُّ، لَا فِي رِوَايَةٍ وَلَا فِي شَهَادَةٍ، بَلْ قَبِلَ خَبَرَ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَخْبَرَ بِهِ، كَمَا قَبِلَ شَهَادَتَهُ لِأَبِي قَتَادَةَ بِالْقَتِيلِ، وَقَبِلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ، وَقَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ وَحْدَهُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، وَقَبِلَ شَهَادَةَ الْأَمَةِ السَّوْدَاءِ وَحْدَهَا عَلَى الرَّضَاعَةِ، وَقَبِلَ خَبَرَ تَمِيمٍ وَحْدَهُ وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ حِسِّيٍّ شَاهَدَهُ وَرَآهُ فَقَبِلَهُ وَرَوَاهُ عَنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَنْ أَمْرٍ مُسْتَنِدٍ إلَى الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ، فَتَمِيمٌ شَهِدَ بِمَا رَآهُ وَعَايَنَهُ، وَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَدَّقَهُ وَقَبِلَ خَبَرَهُ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَشْهَدَ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ عَلَى أَمْرٍ رَآهُ وَعَايَنَهُ يَتَعَلَّقُ بِمَشْهُودٍ لَهُ وَعَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا رَآهُ وَعَايَنَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ؟ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِ أَذَانِ الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ شَهَادَةٌ مِنْهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَخَبَرٌ عَنْهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُخْبِرِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ فَتْوَى الْمُفْتِي الْوَاحِدِ وَهِيَ خَبَرٌ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَعُمُّ الْمُسْتَفْتِيَ وَغَيْرَهُ.
[جَانِبُ التَّحَمُّلِ غَيْرُ جَانِبِ الثُّبُوتِ]
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ الْأَمْرِ بِالتَّعَدُّدِ فِي جَانِبِ التَّحَمُّلِ وَحِفْظِ الْحُقُوقِ الْأَمْرُ بِالتَّعَدُّدِ فِي جَانِبِ الْحُكْمِ وَالثُّبُوتِ؛ فَالْخَبَرُ الصَّادِقُ لَا تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِرَدِّهِ أَبَدًا، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَنْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ، وَرَدُّ الْخَبَرِ الصَّادِقِ تَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةُ الظَّاهِرَةُ لَا تُرَدُّ إلَّا بِمَا هُوَ مِثْلُهَا أَوْ أَقْوَى مِنْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّ خَبَرِ الْفَاسِقِ، بَلْ بِالتَّثْبِيتِ وَالتَّبْيِينِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى صِدْقِهِ قُبِلَ خَبَرُهُ، وَإِنْ ظَهَرَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى كَذِبِهِ رُدَّ خَبَرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَقَفَ خَبَرُهُ، وَقَدْ قَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرَ الدَّلِيلِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِيَدُلَّهُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 81
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست