responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 152
فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَا مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي تَحِلُّ وَتَحْرُمُ، فَلَأَنْ نَرْجِعَ إلَى أَخْبَارِهِمْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَإِنْ قُلْتُمْ: هَذَا لِلْحَاجَةِ، قِيلَ: وَذَلِكَ أَشَدُّ حَاجَةً.
قَالُوا: وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إمَّا إيجَابًا وَإِمَّا تَخْيِيرًا، وَالْحُكْمُ إمَّا بِالْإِقْرَارِ وَإِمَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ مَعَ الْإِقْرَارِ لَا يَرْفَعُونَ إلَيْنَا، وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى الْحُكْمِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُونَ إلَى الْحُكْمِ عِنْدَ التَّجَاحُدِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَهُمْ فِي الْغَالِبِ لَا تَحْضُرُهُمْ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ مَقْصُودُهُ الْعَدْلُ، وَإِيصَالُ كُلِّ ذِي حَقٍّ مِنْهُمْ إلَى حَقِّهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ مُدَّعِيهِمْ بِمَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ الشُّهُودِ الَّذِي يَرْتَضُونَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَثُرُوا، فَالْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ أَقْوَى مِنْ الْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ نُكُولِ نَاكِلِهِمْ أَوْ يَمِينِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَوْلُهُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَقَوْلُهُ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] : فَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ السِّيَاقَ كُلَّهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1]- إلَى قَوْله تَعَالَى - {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَكَذَلِكَ قَالَ فِي آيَةِ الْمُدَايَنَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282]- إلَى قَوْلِهِ - {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] فَلَا تَعَرُّضَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِحُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَلْبَتَّةَ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 64] فَهَذَا إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ: الْعَدَاوَةُ الَّتِي بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أَوْ يُرَادَ بِهِ الْعَدَاوَةُ الَّتِي بَيْنَ فِرَقِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا مِلَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنَّهَا عَدَاوَةٌ دِينِيَّةٌ، فَهِيَ كَالْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَ فِرَقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِلْبَاسِهِمْ شِيَعًا، وَإِذَاقَةِ بَعْضِهِمْ بَأْسَ بَعْضٍ.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ إلَى أَنْ يَكْذِبَ عَلَى مِثْلِهِ أَقْرَبُ، فَيُقَالُ: وَجَمِيعُ أَهْلِ الْبِدَعِ قَدْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْخَوَارِجُ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ لَهْجَةً، وَقَدْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ صَادِقُونَ غَيْرُ كَاذِبِينَ، فَهُمْ مُتَدَيِّنُونَ بِهَذَا الْكَذِبِ، وَيَظُنُّونَهُ مِنْ أَصْدَقِ الصِّدْقِ.
وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ أَيْضًا بِأَنَّ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ إكْرَامًا لَهُمْ، وَرَفْعًا لِمَنْزِلَتِهِمْ وَقَدْرِهِمْ، وَرَذِيلَةُ الْكُفْرِ تَنْفِي ذَلِكَ.

نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 152
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست