responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 42
وَكَانَ يَتَنَكَّرُ وَيَطُوفُ بِالْبَلَدِ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْأَئِمَّةِ فَدَعَا ثِقَتَهُ، وَقَالَ: خُذْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ، وَأَعْطِهَا إمَامَ مَسْجِدِ كَذَا، فَإِنَّهُ فَقِيرٌ مَشْغُولُ الْقَلْبِ.
فَفَعَلَ، وَجَلَسَ مَعَهُ وَبَاسَطَهُ، فَوَجَدَ زَوْجَتَهُ قَدْ ضَرَبَهَا الطَّلْقُ، وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَقَالَ: صَدَقَ، عَرَفْت شُغْلَ قَلْبِهِ فِي كَثْرَةِ غَلَطِهِ فِي الْقِرَاءَةِ وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ اللُّصُوصَ أَخَذُوا فِي زَمَنِ الْمُكْتَفِي مَالًا عَظِيمًا، فَأَلْزَمَ الْمُكْتَفِي صَاحِبَ الشُّرْطَةِ بِإِخْرَاجِ اللُّصُوصِ.
، أَوْ غَرَامَةِ الْمَالِ؛ فَكَانَ يَرْكَبُ وَحْدَهُ، وَيَطُوفُ لَيْلًا وَنَهَارًا، إلَى أَنْ اجْتَازَ يَوْمًا فِي زُقَاقٍ خَالٍ فِي بَعْضِ أَطْرَافِ الْبَلَدِ، فَدَخَلَهُ فَوَجَدَهُ مُنْكَرًا، وَوَجَدَهُ لَا يَنْفُذُ، فَرَأَى عَلَى بَعْضِ أَبْوَابِهِ شَوْكَ سَمَكٍ كَثِيرٍ، وَعِظَامَ الصُّلْبِ.
فَقَالَ لِشَخْصٍ: كَمْ يَكُونُ تَقْدِيرُ ثَمَنِ هَذَا السَّمَكِ الَّذِي هَذِهِ عِظَامُهُ؟ قَالَ: دِينَارٌ، قَالَ: أَهْلُ الزُّقَاقِ لَا تَحْتَمِلُ أَحْوَالُهُمْ مُشْتَرِيَ مِثْلِ هَذَا، لِأَنَّهُ زُقَاقٌ بَيِّنُ الِاخْتِلَالِ إلَى جَانِبِ الصَّحْرَاءِ، لَا يَنْزِلُهُ مَنْ مَعَهُ شَيْءٌ يَخَافُ عَلَيْهِ، أَوْ لَهُ مَالٌ يُنْفِقُ مِنْهُ هَذِهِ النَّفَقَةَ، وَمَا هِيَ إلَّا بَلِيَّةٌ، يَنْبَغِي أَنْ يُكْشَفَ عَنْهَا، فَاسْتَبْعَدَ الرَّجُلُ هَذَا، وَقَالَ: هَذَا فِكْرٌ بَعِيدٌ، فَقَالَ: اُطْلُبُوا لِي امْرَأَةً مِنْ الدَّرْبِ أُكَلِّمُهَا.
فَدَقَّ بَابًا غَيْرَ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّوْكُ وَاسْتَسْقَى مَاءً، فَخَرَجَتْ عَجُوزٌ ضَعِيفَةٌ.
فَمَا زَالَ يَطْلُبُ شَرْبَةً بَعْدَ شَرْبَةٍ، وَهِيَ تَسْقِيهِ، وَهُوَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ يَسْأَلُ عَنْ الدَّرْبِ وَأَهْلِهِ، وَهِيَ تُخْبِرُهُ غَيْرَ عَارِفَةٍ بِعَوَاقِبِ ذَلِكَ، إلَى أَنْ قَالَ لَهَا: وَهَذِهِ الدَّارُ مَنْ يَسْكُنُهَا؟ - وَأَوْمَأَ إلَى الَّتِي عَلَيْهَا عِظَامُ السَّمَكِ - فَقَالَتْ: فِيهَا خَمْسَةُ شَبَابٍ أَعْفَارٍ، كَأَنَّهُمْ تُجَّارٌ، وَقَدْ نَزَلُوا مُنْذُ شَهْرٍ لَا نَرَاهُمْ نَهَارًا إلَّا فِي كُلِّ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَنَرَى الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَخْرُجُ فِي الْحَاجَةِ وَيَعُودُ سَرِيعًا، وَهُمْ فِي طُولِ النَّهَارِ يَجْتَمِعُونَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ، وَلَهُمْ صَبِيٌّ يَخْدُمُهُمْ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ انْصَرَفُوا إلَى دَارٍ لَهُمْ بِالْكَرْخِ، وَيَدَعُونَ الصَّبِيَّ فِي الدَّارِ يَحْفَظُهَا.
فَإِذَا كَانَ سَحَرًا جَاءُوا وَنَحْنُ نِيَامٌ لَا نَشْعُرُ بِهِمْ فَقَالَتْ لِلرَّجُلِ: هَذِهِ صِفَةُ لُصُوصٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: بَلَى، فَأَنْفَذَ فِي الْحَالِ، فَاسْتَدْعَى عَشَرَةً مِنْ الشُّرَطِ، وَأَدْخَلَهُمْ إلَى أَسْطِحَةِ الْجِيرَانِ، وَدَقَّ هُوَ الْبَابَ، فَجَاءَ الصَّبِيُّ فَفَتَحَ.
فَدَخَلَ الشُّرَطُ مَعَهُ، فَمَا فَاتَهُ مِنْ الْقَوْمِ أَحَدٌ فَكَانُوا هُمْ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ بِعَيْنِهِمْ وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ بَعْضَ الْوُلَاةِ سَمِعَ فِي بَعْضِ لَيَالِي الشِّتَاءِ صَوْتًا بِدَارٍ يَطْلُبُ مَاءً بَارِدًا، فَأَمَرَ بِكَبْسِ الدَّارِ، فَأَخْرَجُوا رَجُلًا وَامْرَأَةً، فَقِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْت؟ قَالَ: الْمَاءُ لَا يُبَرَّدُ فِي الشِّتَاءِ، إنَّمَا ذَلِكَ عَلَامَةٌ بَيْنَ هَذَيْنِ.
وَأَحْضَرَ بَعْضُ الْوُلَاةِ شَخْصَيْنِ مُتَّهَمَيْنِ بِسَرِقَةٍ، فَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ أَلْقَاهُ عَمْدًا فَانْكَسَرَ، فَارْتَاعَ أَحَدُهُمَا، وَثَبَتَ الْآخَرُ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ، فَقَالَ لِلَّذِي انْزَعَجَ: اذْهَبْ، وَقَالَ لِلْآخَرِ: أَحْضِرْ الْعُمْلَةَ.
فَقِيلَ لَهُ: وَمِنْ أَيْنَ عَرَفْت ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اللِّصُّ قَوِيُّ الْقَلْبِ لَا يَنْزَعِجُ، وَالْبَرِيءُ يَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّكَتْ فِي الْبَيْتِ فَأْرَةٌ لَأَزْعَجَتْهُ، وَمَنَعَتْهُ مِنْ السَّرِقَةِ.

[فَصَلِّ فِي صُوَر للحكم بِالْفِرَاسَةِ]
(فَصْلٌ)

نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست