responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 57
الْتِزَامِهِ، وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، كَبَدَلِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ، وَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ.
فَفِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ: يُسْأَلُ الْمُدَّعِي عَنْ إعْسَارِ غَرِيمِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِإِعْسَارِهِ لَمْ يُحْبَسْ لَهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ إعْسَارَهُ، وَسَأَلَ حَبْسَهُ: حُبِسَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ عِوَضِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ، وَالْتِزَامَهُ لِلْقَسَمِ الْآخَرِ بِاخْتِيَارِهِ: يَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ وَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بِالْإِعْسَارِ قَبْلَ الْحَبْسِ أَوْ بَعْدَهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ.
وَإِذَا قِيلَ: لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَكُونُ مُدَّةُ الْحَبْسِ شَهْرًا، وَقِيلَ: اثْنَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ، وَقِيلَ: أَرْبَعَةٌ، وَقِيلَ: سِتَّةٌ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ، وَأَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ.
وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ: أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِقَرِينَةٍ أَنَّهُ قَادِرٌ مُمَاطِلٌ، سَوَاءٌ كَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَسَوَاءٌ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.
فَإِنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ، وَالْعُقُوبَةَ إنَّمَا تَسُوغُ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهَا، وَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْحُدُودِ، فَلَا يَجُوزُ إيقَاعُهَا بِالشُّبْهَةِ، بَلْ يَتَثَبَّتُ الْحَاكِمُ، وَيَتَأَمَّلُ حَالَ الْخَصْمِ، وَيَسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ مَطْلُهُ وَظُلْمُهُ ضَرَبَهُ إلَى أَنْ يُوفِيَ أَوْ يَحْبِسُهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ عَجْزُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَوْ أَنْكَرَ غَرِيمُهُ إعْسَارَهُ، فَإِنَّ عُقُوبَةَ الْمَعْذُورِ شَرْعًا ظُلْمٌ.
وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ أَخَّرَهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي دَيْنَهُ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إذَا أَخَذُوا مَا وَجَدُوهُ إلَّا ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَبْسَ مِنْ جِنْسِ الضَّرْبِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ الْغَرِيمُ لِلْحَاكِمِ: اضْرِبْهُ إلَى أَنْ يُحْضِرَ الْمَالَ، لَمْ يُجِبْهُ إلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ يُجِيبُهُ إلَى الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَشَدُّ.
وَلَمْ يَحْبِسْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طُولَ مُدَّتِهِ أَحَدًا فِي دَيْنٍ قَطُّ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 57
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست