responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 64
الْآيَةَ، فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ بِالسُّنَّةِ.
وَقَالَ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] . فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا، وَذَكَرَ الرَّجْمَ وَنِصَابَ السَّرِقَةِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنَ عَنْ اللَّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ خَاصًّا وَعَامًّا.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْقُرْآنُ لَمْ يَذْكُرْ الشَّاهِدَيْنِ، وَالرَّجُلَ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي طُرُقِ الْحُكْمِ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا الْحَاكِمُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ فِي الطُّرُقِ الَّتِي يَحْفَظُ بِهَا الْإِنْسَانُ حَقَّهُ.
فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] .
فَأَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِحِفْظِ حُقُوقِهِمْ بِالْكِتَابِ وَأَمَرَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنْ يُمْلِيَ الْكَاتِبَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَصِحُّ إمْلَاؤُهُ أَمْلَى عَنْهُ وَلِيُّهُ، ثُمَّ أَمَرَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَسْتَشْهِدَ عَلَى حَقِّهِ رَجُلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. ثُمَّ نَهَى الشُّهَدَاءَ الْمُتَحَمِّلِينَ لِلشَّهَادَةِ عَنْ التَّخَلُّفِ عَنْ إقَامَتِهَا إذَا طُلِبُوا لِذَلِكَ. ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ فِي التِّجَارَةِ الْحَاضِرَةِ: أَلَّا يَكْتُبُوهَا ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ التَّبَايُعِ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ إذَا كَانُوا عَلَى سَفَرٍ - وَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا - أَنْ يَسْتَوْثِقُوا بِالرِّهَانِ الْمَقْبُوضَةِ. كُلُّ هَذَا نَصِيحَةٌ لَهُمْ، وَتَعْلِيمٌ وَإِرْشَادٌ لِمَا يَحْفَظُوا بِهِ حُقُوقَهُمْ، وَمَا تُحْفَظُ بِهِ الْحُقُوقُ شَيْءٌ، وَمَا يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ شَيْءٌ.
فَإِنَّ طُرُقَ الْحُكْمِ أَوْسَعُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ وَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَلَا ذِكْرَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَالْيَمِينِ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ، فَالْحُكْمُ بِالنُّكُولِ وَالرَّدِّ أَشَدُّ مُخَالَفَةً.
وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِالْقُرْعَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ، وَيَحْكُمُ بِالْقَافَةِ بِالسُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا، وَيَحْكُمُ بِالْقَسَامَةِ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، وَيَحْكُمُ بِشَاهِدِ الْحَالِ إذَا تَدَاعَى الزَّوْجَانِ أَوْ الصَّانِعَانِ مَتَاعَ الْبَيْتِ وَالدُّكَّانِ، وَيَحْكُمُ - عِنْدَ مَنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ - بِوُجُوهِ الْآجُرِّ فِي الْحَائِطِ فَيَجْعَلُهُ لِلْمُدَّعِي إذَا كَانَتْ إلَى جِهَتِهِ.
وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَيْفَ سَاغَ الْحُكْمُ بِهِ، وَلَمْ يُجْعَلْ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ؟ وَرُدَّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَيُجْعَلُ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ؟ بَلْ الْقَوْلُ مَا قَالَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ: إنَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ: حُكْمٌ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ حَقٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِالْحَقِّ، فَهَاتَانِ قَضِيَّتَانِ ثَابِتَتَانِ بِالنَّصِّ.

نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 64
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست