نام کتاب : حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 378
عن قتلهم فرحمته سبقت غضبه فيهم فكانت هي السابقة إليهم ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم وابتلائهم وإذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية وان عارضها اثر الغضب والسخط فذلك لسبب منهم وأما اثر الرحمة فسببه منه سبحانه وتعالى فما منه يقتضي رحمتهم وما منهم يقتض عقوبتهم والذي منه سابق وغالب وإذا كانت رحمته تغلب غضبه فلان يغلب اثر الرحمة اثر الغضب أولى وأحرى الوجه السابع عشر أنه سبحانه وتعالى يخبر عن العذاب أنه عذاب يوم عقيم وعذاب يوم عظيم وعذاب يوم اليم ولا يخبر عن النعيم أنه نعيم يوم ولا في موضع واحد وقد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة والمعذبون متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم والله سبحانه جعل العذاب على ما كان في الدنيا وأسبابها وما أريد به الدنيا ولم ولك يرد به الله فالعذاب على ذلك وأما إن كان للآخرة وأريد به وجه الله فلا عذاب والدنيا قد جعل لها اجل تنتهي إليه فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لله فهو المعذب به وأما ما أريد به وجه الله والدار الآخرة فقد أريد به ما لا يفنى ولا يزول فيدوم بدوام المراد به فان الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة لا تزول ما لم يزل ما تعلق بها بخلاف الغاية المضمحلة الفانية فما أريد به غير الله يضمحل ويزول بزوال مراده ومطلوبه وما أريد به وجه الله يبقى ببقاء المطلوب المراد فإذا اضمحلت الدنيا وانقطعت أسبابها وانتقل ما كان فيها لغير الله من الأعمال والذوات وانقلب عذابا وآلاما لم يكن له متعلق يدوم بدوامه بخلاف النعيم الوجه الثامن عشر أنه ليس في حكمة احكم الحاكمين إن يخلق خلقا يعذبهم ابد الآباد عذابا سرمدا لا نهاية له ولا انقطاع أبدا وقد دلت الأدلة السمعية والعقلية والفطرية على أنه سبحانه وتعالى حكيم وأنه أحكم الحاكمين فإذا عذب خلقه عذبهم
نام کتاب : حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 378