نام کتاب : حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 386
قد غلب في هذه الدار ونالت البر والفاجر والمؤمن والكافر مع قيام مقتضى العقوبة به ومباشرته له وتمكنه من إغضاب ربه والسعي في مساخطته فكيف لا يغلب جانب الرحمة في دار تكون الرحمة فيها مضاعفة على ما في هذه الدار تسعة وتسعين ضعفا وقد اخذ العذاب من الكفار مأخذه وانكسرت تلك النفوس ونهكها العذاب وأذاب منها خبثا وشرا لم يكن يحول بينها وبين رحمته لها في الدنيا بل كان يرحمها مع قيام مقتضى العقوبة والغضب بها فكيف إذا زال مقتضى الغضب والعقوبة وقوى جانب الرحمة أضعاف أضعاف الرحمة في هذه الدار واضمحل الشر والخبث الذي فيها فأذابته النار وأكلته وسر الأمر إن أسماء الرحمة والإحسان اغلب واظهر وأكثر من أسماء الانتقام وفعل الرحمة أكثر من فعل الانتقام وظهور آثار الرحمة أعظم من ظهور آثار الانتقام والرحمة أحب إليه من الانتقام وبالرحمة خلق خلقه ولها خلقهم وهي التي سبقت غضبه وغلبته وكتبها على نفسه ووسعت كل شيء وما خلق بها فمطلوب لذاته وما خلق بالغضب فمراد لغيره كما تقدم تقرير ذلك والعقوبة تأديب وتطهير والرحمة إحسان وكرم وجود والعقوبة مداواة والرحمة عطاء وبذل الوجه الخامس والعشرون أنه سبحانه وتعالى لا بد إن يظهر لخلقه جميعهم يوم القيامة صدقه وصدق رسله وإن أعداؤه كانوا هم الكاذبين المفترين ويظهر لهم حكمه الذي هو اعدل حكم في أعدائه وانه حكم فيهم حكما يحمدونه هم عليه فضلا عن أوليائه وملائكته ورسله بحيث ينطق الكون كله بالحمد لله رب العالمين ولذلك قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فحذف فاعل القول لإرادة الإطلاق وان ذلك جار على لسان كل ناطق وقلبه قال الحسن لقد دخلوا النار وإن قلوبهم لممتلئة من حمده ما وجدوا عليه سبيلا وهذا هو الذي
نام کتاب : حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 386