نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 126
المعتزلة ولا يرجع الخلاف بينه وبينهم إلا إلى الاسم فقط وأن هذا مما انفرد به ولكن بقي عليه فيه أمور منها أنه نفى كراهة الله لما قدره من المعاصي بناء على أصله أن كل مراد له فهو محبوب له وأنه إذا كان قد قدر الكفر والفسوق والعصيان فهو يريده ويحبه ولا يكرهه وإن كانت قدرة العبد واختياره مؤثرة في إيجاد الفعل عنده بأقدار الرب سبحانه وقد أصاب في هذا وأجاد ولكن القول بأن الله سبحانه يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يكرهه إذا كان واقعا قول في غاية البطلان وهو مخالف لصريح العقل والنقل والذي قاده إلى ذلك قوله أن المحبة هي الإرادة والمشيئة وأن كل ما شاءه فقد أراده وأحبه ومن لم يفرق بين المشيئة والمحبة لزمه أحد أمرين باطلين لا بد له من التزامه أما القول بأن الله سبحانه يحب الكفر والفسوق والعصيان أو القول بأنه ما شاء ذلك ولا قدره ولا قضاه وقد قال بكل من المتلازمين طائفة قالت طائفه لا يحبها ولا يرضاها فما شاءها ولا قضاها وقالت طائفة هي واقعة بمشيئته وإرادته فهو يحبها ويرضاها فاشترك الطائفتان في هذا الأصل وتباينا في لازمه وقد أنكر الله سبحانه على من احتج على محبته بمشيئته في ثلاثة مواضع من كتابه في سورة الأنعام والنحل والزخرف فقال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ} وكذلك حكى عنهم في النحل ثم قال: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} وقال في الزخرف: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} فاحتجوا على محبته لشركهم ورضاه به بكونه أقرهم عليه وأنه لولا محبته له ورضاه به لما شاءه منهم وعارضوا بذلك أمره ونهيه ودعوة الرسل قالوا كيف يأمر بالشيء قد شاء منا خلافه وكيف يكره منا شيئا قد شاء وقوعه ولو كرهه لم يمكنا منه ولحال بيننا وبينه فكذبهم سبحانه في ذلك وأخبر أن هذا تكذيب منهم لرسله وأن رسله متفقون على أنه سبحانه يكره شركهم ويبغضه ويمقته وأنه لولا بغضه وكراهته لما أذاق المشركين بالله عذابه فإنه لا يعذب عبده على ما يحبه ثم طالبهم بالعلم على صحة مذهبهم بأن الله أذن فيه وأنه يحبه ويرضى به ومجرد إقراره لهم قدرا لا يدل على ذلك عند أحد من العقلاء وإلا كان الظلم والفواحش والسعي في الأرض بالفساد والبغي محبوبا له مرضيا ثم أخبر سبحانه أن مستندهم في ذلك إنما هو الظن وهو أكذب الحديث وأنهم لذلك كانوا أهل الخرص والكذب ثم أخبر سبحانه أن له الحجة عليهم من جهتين إحداهما ما ركبّه فيهم من العقول التي يفرقون بها بين الحسن والقبيح والباطل والأسماع والأبصار التي هي آلة إدراك الحق والتي يفرق بها بينه وبين الباطل والثانية إرسال رسله وإنزال كتبه وتمكينهم من الإيمان والإسلام ولم يؤاخذهم بأحد الأمرين بل بمجموعها لكمال عدله وقطعا لعذرهم من جميع الوجوه ولذلك سمى حجته عليهم بالغة أي قد بلغت غاية البيان وأقصاه بحيث لم يبق معها مقال لقائل ولا عذر لمعتذر ومن اعتذر إليه سبحانه بعذر صحيح قبله ثم ختم الآية بقوله: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته وهذا من تمام حجته البالغة فإنه إذا امتنع الشيء لعدم مشيئته لزم وجوده عند مشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن كان هذا من أعظم أدلة التوحيد ومن أبين أدلة بطلان ما أنتم عليه من الشرك واتخاذ الأنداد من دونه فما احتججتم به من المشيئة على ما أنتم عليه من الشرك هو من
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 126