responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 165
بين أن النعم والمصائب كلها من عنده فهو الخالق لها المقدر لها المبتلي خلقه بها فهي من عنده ليس بعضها من عنده وبعضها خلقا لغيره فكيف يضاف بعضها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبعضها إلى الله تعالى ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدثها فلم يبق إلا ظنهم أنه سبب لحصولها إما في الجملة كحال أهل التطير وإما في الواقعة المعينة كحال اللائمين له في الجهاد فأبطل الله سبحانه وذلك الوهم الكاذب والظن الباطل وبين أن ما جاء به لا يوجب الشر البتة بل الخير كله فيما جاء صلى الله عليه وسلم به والشر بسبب أعمالهم وذنوبهم كما قال الرسل عليهم السلام لأهل القرية طائركم معكم ولا يناقض هذا قول صالح عليه السلام لقومه: {طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} وقوله تعالى عن قوم فرعون: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} بل هاتان النسبتان نظير هاتين النسبتين في هذه الآية وهي نسبة السيئة إلى نفس العبد ونسبة الحسنة والسيئة إلى أنهما من عند الله عز وجل فتأمل اتفاق القرآن وتصديق بعضه بعضا فحيث جعل الطائر معهم والسيئة من نفس العبد فهو على وجهة السبب والموجب أي الشر والشؤم الذي أصابكم هو منكم ومهما فإن أسبابه قائمة بكم كما تقول شرك منك وشؤمك فيك يراد به العمل وطائرك معك وحيث جعل ذلك كله من عنده فهو لأنه الخالق له المجازي به عدلا وحكمة فالطائر يراد به العمل وجزاءه فالمضاف إلى العبد العمل والمضاف إلى الرب الجزاء فطائركم معكم طائر العمل وطائركم عند الله الجزاء فما جاءت به الرسل ليس سببا لشيء من المصائب ولا تكون طاعة الله ورسوله سببا لمصيبة قط بل طاعة الله ورسوله لا توجب إلا خيرا في الدنيا والآخرة ولكن قد يصيب المؤمنين بالله ورسوله مصائب بسبب ذنوبهم وتقصيرهم في طاعة الله ورسوله كما لحقهم يوم أحد ويوم حنين وكذلك ما امتحنوا به من الضراء وأذى الكفار لهم ليس هو بسبب نفس إيمانهم ولا هو موجبه وإنما امتحنوا به ليخلص ما فيهم من الشر فامتحنوا بذلك كما يمتحن الذهب بالنار ليخلص من غشه والنفوس فيها ما هو من مقتضى طبعها فالامتحان يمحص المؤمن من ذلك الذي هو من موجبات طبعه كما قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} وقال: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ} فطاعة الله ورسوله لا تجلب إلا خيرا ومعصيته لا تجلب إلا شرا ولهذا قال سبحانه: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} فإنهم لو فقهوا الحديث لعلموا أنه ليس في الحديث الذي أنزله الله على رسوله ما يوجب شرا البتة ولعلموا أنه سبب كل خير ولو فقهوا لعلموا أن العقول والفطر تشهد بأن مصالح المعاش والمعاد متعلقة بما جاء به الرسول فلو فقهوا القرآن علموا أنه أمرهم بكل خير ونهاهم عن كل شر وهذا مما يبين أن ما أمر الله به يعلم حسنه بالعقل وأنه كله مصلحة ورحمة ومنفعة وإحسان بخلاف ما يقوله كثير من أهل الكلام الباطل أنه سبحانه يأمر العباد بما لا مصلحة لهم فيه بل يأمرهم بما فيه مضرة لهم وقول هؤلاء تصديق وتقرير لقول المتطيرين بالرسل.
فصل: ومما يوضح الأمر في ذلك أنه سبحانه لما قال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} عقب ذلك بقوله: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} وذلك يتضمن أشياء منها تنبيه أمته على أن رسوله الذي شهد له بالرسالة إذا أصابه ما يكره فمن نفسه فما الظن بغيره ومنها أن حجة الله قد قامت عليهم بإرساله فإذا أصابهم سبحانه بما يسوءهم لم يكن ظالما لهم في ذلك لأنه قد أرسل رسوله إليهم يعلمهم بما فيه مصالحهم وما يجلبها لهم وما فيه مضرتهم وما يجلبها لهم

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 165
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست