responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 223
وما يتوقف عليه الشيء لا يوجد بدونه فإن وجود الملزوم بدون لازمه محال ولا ريب أن وجود الفرح أكمل من عدمه فمن تمام الحكمة تقدير أسبابه ولوازمه وقد نبه أعلم الخلق بالله على هذا المعنى بعينه حيث يقول في الحديث الصحيح: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم" فلو لم يقدر الذنوب والمعاصي فلمن يغفر وعلى من يتوب وعمن يعفو ويسقط حقه ويظهر فضله وجوده وحلمه وكرمه وهو واسع المغفرة فكيف يعطل هذه الصفة أم كيف يتحقق بدون ما يغفر ومن يغفر له ومن يتوب وما يتاب عنه فلو لم يكن في تقدير الذنوب والمعاصي والمخالفات إلا هذا وحده لكفى به حكمة وغاية محمودة فكيف والحكم والمصالح والغايات المحمودة التي في ضمن هذا التقدير فوق ما يخطر بالبال وكان بعض العباد يدعو في طوافه اللهم اعصمني من المعاصي ويكرر ذلك فقيل له في المنام أنت سألتني العصمة وعبادي يسألوني العصمة فإذا عصمتكم من الذنوب فلمن أغفر وعلى من أتوب وعمن أعفو ولو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه يوضحه الوجه العشرون أنه قد يترتب على خلق من يكفر به ويشرك به ويعاديه من الحكم الباهرة والآيات الظاهرة ما لم يكن يحصل بدون ذلك فلولا كفر قوم نوح لما ظهرت آية الطوفان وبقيت يتحدث بها الناس على ممر الزمان ولولا كفر عاد لما ظهرت آية الريح العقيم التي دمرت ما مرت عليه ولولا كفر قوم صالح لما ظهرت آية إهلاكهم بالصيحة ولا كفر فرعون لما ظهرت تلك الآيات والعجائب يتحدث بها الأمم أمة بعد أمة واهتدى من شاء الله فهلك بها من هلك عن بينه وحي بها من حي عن بينة وظهر بها فضل الله وعدله وحكمته وآيات رسله وصدقهم فمعارضة الرسل وكسر حججهم ودحضها والجواب عنها وإهلاك الله لهم من أعظم أدلة صدقهم وبراهينه ولولا مجيء المشركين بالحد والحديد والعدد والشوكة يوم بدر لما حصلت تلك الآية العظيمة التي يترتب عليها من الإيمان والهدى والخير ما لم يكن حاصلا مع عدمها وقد بينا أن الموقوف على الشيء لا يوجد بدونه ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع فلله كم عمرت قصة بدر من ربع أصبح آهلا بالإيمان وقد فتحت لأولي النهى من باب وصلوا منه إلى الهدى والإيقان وكم حصل بها من محبوب للرحمن وغيظ للشيطان وتلك المفسدة التي حصلت في ضمنها للكفار مغمورة جدا بالنسبة إلى مصالحها وحكمها وهي كمفسدة المطر إذا قطع المسافر وبل الثياب وخرب بعض البيوت بالنسبة إلى مصلحة العامة وتأمل ما حصل بالطوفان وغرق آل فرعون للأمم من الهدى والإيمان الذي غمر مفسدة من هلك به حتى تلاشت في جنب مصلحته وحكمته فكم لله من حكمة في آياته التي ابتلى بها أعداءه وأكرم فيها أولياءه وكم له فيها من آية وحجة وتبصرة وتذكرة ولهذا أمر سبحانه رسوله أن يذكر بها أمته فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} فذكرهم بأيامه وإنعامه ونجاتهم من عدوهم وإهلاكهم وهم ينظرون فحصل بذلك من ذكره وشكره ومحبته وتعظيمه وإجلاله ما تلاشت فيه مفسدة إهلاك الأبناء وذبحهم واضمحلت فإنهم صاروا إلى النعيم وخلصوا من مفسدة العبودية لفرعون إذ كبروا وسومهم له سوء العذاب وكان الألم الذي

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 223
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست