responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 225
وسدرة المنتهى وشجرة الزقوم وليلة القدر وليلة الوباء والملائكة والشياطين والمؤمنين والكفار والأبرار والفجار والحر والبرد والداء والدواء والآلام واللذات والأحزان والمسرات واستخرج سبحانه من بين ما هو من أحب الأشياء إليه من أنواع العبوديات والتعرف إلى خلقه بأنواع الدلالات ولولا خلق الشياطين والهوى والنفس الأمارة لما حصلت عبودية الصبر ومجاهدة النفس والشيطان ومخالفتهما وترك ما يهواه العبد ويحبه لله فإن لهذه العبودية شأنا ليس لغيرها ولولا وجود الكفار لما حصلت عبودية الجهاد ولما نال أهله درجة الشهادة ولما ظهر من يقدم محبة فاطره وخالقه على نفسه وأهله وولده ومن يقدم أدنى حظ من الحظوظ عليه فأين صبر الرسل وأتباعهم وجهادهم وتحملهم لله أنواع المكاره والمشاق وأنواع العبودية المتعلقة بالدعوة وإظهارها لولا وجود الكفار وتلك العبودية تقتضي علمه وفضله وحكمته ويستخرج منه حمده وشكره ومحبته والرضا عنه يوضحه الوجه الحادي والعشرون أنه قد استقرت حكمته سبحانه أن السعادة والنعيم والراحة لا يوصل إليها إلا على جسر المشقة والتعب ولا يدخل إليها إلا من باب المكاره والصبر وتحمل المشاق ولذلك حف الجنة بالمكاره والنار بالشهوات ولذلك أخرج صفيه آدم من الجنة وقد خلقها له واقتضت حكمته أن لا يدخلها دخول استقرار إلا بعد التعب والنصب فما أخرجه منها إلا ليدخله إليها أتم دخول فلله كم بين الدخول الأول والدخول الثاني من التفاوت وكم بين دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في جواد المطعم بن عدي ودخوله إليها يوم الفتح وكم بين راحة المؤمنين ولذتهم في الجنة بعد مقاساة ما قبلها وبين لذتهم لو خلقوا فيها وكم بين فرحة من عافاه بعد ابتلائه وأغناه بعد فقره وهداه بعد ضلاله وجمع قلبه بعد شتاته وفرحة من لم يذق تلك المرارات وقد سبقت الحكمة الإلهية أن المكاره أسباب اللذات والخيرات كما قال تعالى: {تِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .
وربما كان مكروه النفوس إلى ... محبوبها سببا ما مثله سبب
يوضحه الوجه الثاني والعشرون أن العقلاء قاطبة متفقون على استحسان أتعاب النفوس في تحصيل كمالاتها من العلم والعمل الصالح والأخلاق الفاضلة وطلب محمدة من ينفعهم حمده وكل من كان أتعب في تحصيل ذلك كان أحسن حالا وأرفع قدرا وكذلك يستحسنون أتعاب النفوس في تحصيل الغنى والعز والشرف ويذمون القاعد عن ذلك وينسبونه إلى دناءة الهمة وخسة النفس وضعة القدر:
دع المكارم لا تنهض لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وهذا التعب والكد يستلزم آلاما وحصول مكاره ومشاق هي الطريق إلى تلك الكمالات ولم يقدحوا بتحمل تلك في حكمة من يحملها ولا يعدونه عائبا بل هو العقل الوافر ومن أمر غيره به فهو حكيم في أمره ومن نهاه عن ذلك فهو سفيه عدو له هذا في مصالح المعاش فكيف بمصالح الحياة الأبدية الدائمة والنعيم المقيم كيف لا يكون الآمر بالتعب القليل في الزمن اليسير الموصل إلى الخير الدائم حكيما رحيما محسنا ناصحا لمن يأمره وينهاه عن ضده من الراحة واللذة التي تقطعه عن كماله ولذته ومسرته الدائمة هذا إلى ما في أمره ونهيه من المصالح العاجلة التي بها سعادته وفلاحه وصلاحه ونهيه عما فيه

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 225
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست