responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 242
عبوديته ويعبدونه بما تكرهه نفوسهم وذلك محض العبودية وإلا فمن يعبد الله إلا بما يحبه ويهواه فهو في الحقيقة إنما يعبد نفسه وهو سبحانه يحب من أوليائه أن يولوا فيه ويعادوا فيه ويبذلوا نفوسهم في مرضاته ومحابه وهذا كله لا يحصل في دار النعيم المطلق ومن الحكمة في إخراجه من الجنة ما تقدم التنبيه عليه من اقتضاء أسماء الله الحسنى لمسمياتها ومتعلقاتها كالغفور الرحيم التواب العفو المنتقم الخافض الرافع المعز المذل المحيي المميت الوارث ولا بد من ظهور أثر هذه الأسماء ووجود ما يتعلق به فاقتضت حكمته أن إنزال الأبوين من الجنة ليظهر مقتضى أسمائه وصفاته فيهما وفي ذريتهما فلو تربت الذرية في الجنة لفاتت أثار هذه الأسماء وتعلقاتها والكمال الإلهي يأبى ذلك فإنه الملك الحق المبين والملك هو الذي يأمر وينهى ويكرم ويهين ويثيب ويعاقب ويعطي ويمنع ويعز ويذل فأنزل الأبوين والذرية إلى دار تجري عليهم هذه الأحكام وأيضا فإنهم أنزلوا إلى دار يكون إيمانهم تاما فإن الإيمان قول وعمل وجهاد وصبر واحتمال وهذا كله إنما يكون في دار الامتحان لا في جنة النعيم وقد ذكر غير واحد من أهل العلم منهم أبو الوفا بن عقيل وغيره أن أعمال الرسل والأنبياء والمؤمنين في الدنيا أفضل من نعيم الجنة قالوا لأن نعيم الجنة حظهم وتمتعهم فأين يقاس إلى الإيمان وأعماله والصلوات وقراءة القرآن والجهاد في سبيل الله وبذل النفوس في مرضاته وإيثاره على هواها وشهواتها فالأيمان متعلق به سبحانه وهو حقه عليهم ونعيم الجنة متعلق بهم وهو حظهم فهم إنما خلقوا للعبادة والجنة دار نعيم لا دار تكليف وعبادة وأيضا فإنه سبحانه سبق حكمه وحكمته بأن يجعل في الأرض خليفة وأعلم بذلك ملائكته فهو سبحانه قد أراد بكون هذا الخليفة وذريته في الأرض قبل خلقه لما له في ذلك من الحكم والغايات الحميدة فلم يكن بد من إخراجه من الجنة إلى دار قد سكناهم فيها قبل أن يخلقه وكان ذلك التقدير بأسباب وحكم فمن أسبابه النهي عن تلك الشجرة وتخليته بينه وبين عدوه حتى وسوس إليه بالأكل وتخليته بينه وبين نفسه حتى وقع في المعصية وكانت تلك الأسباب موصلة إلى غايات محمودة مطلوبة يترتب على خروجه من الجنة ثم يترتب على خروجه أسباب أخر جعلت غايات لحكم أخر ومن تلك الغايات عوده إليها على أكمل الوجوه فذلك التقدير وتلك الأسباب وغاياتها صادرة عن محض الحكمة البالغة التي يحمده عليها أهل السماوات والأرض والدنيا والآخرة فما قدر أحكم الحاكمين ذلك باطلا ولا دبره عبثا ولا أخلاه من حكمته البالغة وحمده التام وأيضا فإنه سبحانه قال للملائكة: {نِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} ثم أظهر سبحانه من علمه وحكمته الذي خفي على الملائكة من أمر هذا الخليفة ما لم يكونوا يعرفونه بأن جعل من نسله من أوليائه وأحبائه ورسله وأنبيائه من يتقرب إليه بأنواع التقرب ويبذل نفسه في محبته ومرضاته يسبح بحمده أناء الليل وأطراف النهار ويذكره قائما وقاعدا وعلى جنبه ويعبده ويذكره ويشكره في السراء والضراء والعافية والبلاء والشدة والرخاء فلا يثنيه عن ذكره وشكره وعبادته شدة ولا بلاء ولا فقر ولا مرض ويعبده مع معارضة الشهوة وغلبات الهوى وتعاضد الطباع لأحكامها ومعاداة بني جنسه وغيرهم له فلا يصده ذلك عن عبادته وشكره وذكره والتقرب إليه فإن كانت عبادتكم لي بلا معارض ولا ممانع فعبادة هؤلاء لي مع هذه المعارضات والموانع والشواغل وأيضا فإنه سبحانه أراد أن يظهر لهم

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 242
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست