responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 246
فيحصل الألم ومن جهة بني جنسه فإنه مدني بالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده بل لا يعيش إلا معهم وله ولهم لذاذات ومطالب متضادة ومتعارضة لا يمكن الجمع بينها بل إذا حصل منها شيء فات منها أشياء فهو يريد منهم أن يوافقوه على مطالبه وإرادته وهم يريدون منه ذلك فإن وافقهم حصل له من الألم والمشقة بحسب ما فاته من إرادته وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وسعوا في تعطيل مراداته كما لم يوافقهم على مراداتهم فيحصل له من الألم والتعذيب بحسب ذلك فهو في ألم ومشقة وعناء وافقهم أو خالفهم ولا سيما إذا كانت موافقتهم على أمور يعلم أنها عقائد باطلة وإرادات فاسدة وأعمال تضره في عواقبها ففي موافقتهم أعظم الألم وفي مخالفتهم حصول الألم فالعقل والدين والمروءة والعلم تأمره باحتمال أخف الألمين تخلصا من أشدهما وبإيثار المنقطع منهما لينجو من الدائم المستمر فمن كان ظهيرا للمجرمين من الظلمة على ظلمهم ومن أهل الأهواء والبدع على أهوائهم وبدعهم ومن أهل الفجور والشهوات على فجورهم وشهواتهم ليتخلص بمظاهرتهم من ألم أذاهم أصابه من ألم الموافقة لهم عاجلا وآجلا أضعاف أضعاف ما فر منه وسنة الله في خلقه أن يعذبهم بإنذار من إيمانهم وظاهرهم وإن صبر على ألم مخالفتهم ومجانبتهم أعقبه ذلك لذة عاجلة وآجلة تزيد على لذة الموافقة بأضعاف مضاعفة وسنة الله في خلقه أن يرفعه عليهم ويذلهم به بحسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه وإذا كان لا من الألم والعذاب فذلك في الله وفي مرضاته ومتابعة رسله أولى وأنفع منه في الناس ورضائهم وتحصيل مراداتهم ولما كان زمن التألم والعذاب فصبره طويل فأنفاسه ساعات وساعاته أيام وأيامه شهور وأعوام بلا سبحانه الممتحنين فيه بأن ذلك الابتلاء آجلا ثم ينقطع وضرب لأهله أجلا للقائه يسليهم به ويشكر نفوسهم ويهون عليهم أثقاله فقال: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فإذا تصور العبد أجل ذلك البلاء وانقطاعه وأجل لقاء المبتلى سبحانه وإثباته هان عليه ما هو فيه وخف عليه حمله ثم لما كان ذلك لا يحصل إلا بمجاهدة للنفس وللشيطان ولبني جنسه وكان العامل إذا علم أن ثمرة علمه وتعبه يعود عليه وحده لا يشكره فيه غيره كأن أتم اجتهادا وأوفر سعيا فقال تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} وأيضا فلا يتوهم متوهم أن منفعة هذه المجاهدة والصبر والاحتمال يعود على الله سبحانه فإنه غني عن العالمين لم يأمرهم بما أمرهم به حاجة منه إليهم ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا منه عليهم بل أمرهم بما يعود نفعه ومصلحته عليهم في معاشهم ومعادهم ونهاهم عما يعود مضرته وعتيه عليهم في معاشهم ومعادهم فكانت ثمرة هذا الابتلاء والامتحان مختصة بهم واقتضت حكمته أن نصب ذلك سببا مقضيا إلى يميز الخبيث من الطيب والشقي من الغوي ومن يصلح له ممن لا يصلح قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} فابتلاهم سبحانه بإرسال الرسل إليهم بأوامره ونواهيه واختياره فامتاز برسله طيبهم من خبيثهم وجيدهم من رديئهم فوقع الثواب والعقاب على معلوم أظهره ذلك الابتلاء والامتحان ثم لما كان الممتحن لا بد أن ينحرف عن طريق الصبر والمجاهدة لدواعي طبيعته وهواه وضعفه عن مقاومة ما ابتلي به وعده سبحانه أن يتجاوز له عن ذلك ويكفره عنه لأنه لما أمر به والتزم طاعته اقتضت رحمته أن كفر عنه سيئاته وجازاه بأحسن أعماله ثم ذكر سبحانه ابتلاء العبد بأبويه وما أمر به من طاعتهما وصبره على مجاهدتهما له على أن لا يشرك به فيصبر على هذه المحنة والفتنة ولا يطيعهما بل يصاحبهما على هذه الحال معروفا ويعرض عنهما إلى متابعة سبيل رسله

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 246
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست