responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 249
فيها قديما وحديثا وتباينت طرقهم في الجواب عنها فالجاحدون للفاعل المختار الذي يفعل بمشيئته وقدرته يحيلون ذلك على الطبيعة المجردة وأن ذلك من لوازمها ومقتضياتها ليس بفعل فاعل ولا قدرة قادر ولا إرادة مريد ومنكرو الحكمة والتعليل يردون ذلك إلى محض المشيئة وصرف الإرادة تخصص مثلا على مثل بلا موجب ولا غاية ولا حكمة مطلوبة ولا سبب أصلا وظنوا أنهم بذلك يتخلصون من السؤال ويسدون على نفوسهم باب المطالبة وإنما سدوا على نفوسهم باب معرفة الرب وكماله وكمال أسمائه وأوصافه وأفعاله فعطلوا حكمته وحقيقة ألهيته وحمده وكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار وأما من أثبت حكمة وتعليلا لا يعودا إلى الخالق بل إلى المخلوق سلكوا طريقة التعويض على تلك الآلام في حق من يبعث للثواب والعقاب وقالوا قد يكون في ذلك إثابة لإثابتهم بصبرهم وتألمهم وإثابة لهم وتعويضا في القيامة بما نالهم من تلك الآلام فلما أورد عليهم إيلام الحيوانات التي لا تثاب ولا تعاقب وأما المثبتون لحقائق أسماء الرب وصفاته وحكمته التي هي وصفه ولأجلها تسمى بالحكيم وعنها صدر خلقه وأمره فهم أعلم الفرق بهذا الشأن ومسلكهم فيه أصح المسالك وأسلم من التناقض والاضطراب فإنهم جمعوا بين إثبات القدرة والمشيئة العامة والحكمة الشاملة التي هي غاية الفعل وربطوا ذلك بالأسماء والصفات فتصادق عندهم السمع والعقل والشرع والفطرة وعلموا أن ذلك مقتضى الحكمة البالغة وأنه من لوازمها وأن لازم الحق حق ولازم العدل عدل ولوازم الحكمة من الحكمة فاعلم أن هاهنا أمرين نفسا متحركة بالإرادة والاختيار وطبيعة متحركة بغير الاختيار والإرادة وأن الشر منشأه من هذين المتحركين وعن هاتين الحركتين وخلقت هذه النفس وهذه الطبيعة على هذا الوجه فهذه تتحرك لكمالها وهذه تتحرك لكمالها وينشأ عن الحركتين خير وشر كما ينشأ عن حركة الأفلاك والشمس والقمر وحركة الرياح والماء والنار خير وشر فالخيرات الناشئة عن هذه الحركات مقصودة بالقصد الأول إما لذاتها وإما لكونها وسيلة إلى خيرات أتم منها والشرور الناشئة عنها غير مقصودة بالذات وإن قصدت قصد الوسائل واللوازم التي لا بد مها فما جبلت عليه النفس من الحركة هو من لوازم ذاتها فلا تكون النفس البشرية نفسا إلا بهذا اللازم فإذا قيل لم خلقت متحركة على الدوام فهو بمنزلة أن يقال لم كانت النفس نفسا ولم كانت النار نارا والريح ريحا فلو لم يخلق هذا ما كانت نفسا ولو لم تخلق الطبيعة هكذا ما كانت طبيعة ولو لم يخلق الإنسان على هذه الصفة والخلقة ما كان إنسانا فإن قيل فلم خلقت النفس على هذه الصفة قيل من كمال الوجود خلقها على هذه الصفة كما تقدم وكذلك كمال فاطرها ومبدعها اقتضى خلقها على هذه الصفة لما في ذلك من الحكم التي لا يحصيها إلا مبدعها سبحانه وإن كان في إيجاد هذه النفس شرا فهو شر جزئي بالنسبة إلى الخير الكلي الذي هو سبب إيجادها فوجودها خير من أن لا توجد فلو لم يخلق مثل هذه النفس لكان في الوجود نقص وفوات حكم ومصالح عظيمة موقوفة على خلق مثل هذه النفس ولهذا لما اعترضت الملائكة على خلق الإنسان وقالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} أجابهم سبحانه بأن في خلقه من الحكم والمصالح ما لا تعلمه الملائكة والخالق سبحانه يعلمه وإذا كانت الملائكة لا تعلم ما في خلق هذا الإنسان الذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء من الحكم والمصالح فغيرهم أولى أن لا يحيط به علما فخلق هذا الإنسان من تمام الحكمة والرحمة والمصلحة وإن كان وجوده مستلزما لشر فهو شر

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 249
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست