نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 275
لا يستطيع إلا الانقياد له ثم أتبع ذلك بإقراره له بنفاذ حكمه فيه وجريانه عليه شاء أم أبى وإذا حكم فيه بحكم لم يستطع غيره برده أبدا وهذا اعتراف لربه بكمال القدرة عليه واعتراف من نفسه بغاية العجز والضعف فكأنه قال أنا عبد ضعيف مسكين يحكم فيه قوى قاهر غالب وإذا حكم فيه بحكم مضى حكمه فيه ولا بد ثم أتبع ذلك باعترافه بأن كل حكم وكل قضية ينفذها فيه هذا الحاكم فهي عدل محض منه لا جور فيها ولا ظلم بوجه من الوجوه فقال ماض في حكمك عدل في قضاؤك وهذا يعم جميع أقضيته سبحانه في عبده قضائه السابق فيه قبل إيجاده وقضائه فيه المقارن لحياته وقضائه فيه بعد مماته وقضائه فيه يوم معاده ويتناول قضاءه فيه بالذنب وقضائه فيه بالجزاء عليه ومن لم يثلج صدره لهذا ويكون له كالعلم الضروري لم يعرف ربه وكماله ونفسه وعينه ولا عدل في حكمه بل هو جهول ظلوم فلا علم ولا إنصاف وفي قوله ماض في حكمك عدل في قضاؤك رد على طائفتي القدرية والجبرية وإن اعترفوا بذلك بألسنتهم فأصولهم تناقضه فإن القدرية تنكر قدرته سبحانه على خلق ما به يهتدي العبد غير ما خلقه فيه وجبله عليه فليس عندهم لله حكم نافذ في عبده غير الحكم الشرعي بالأمر والنهي ومعلوم أنه لا يصح حمل الحديث على هذا الحكم فإن العبد يطيعه تارة ويعصيه تارة بخلاف الحكم الكوني القدري فإنه ماض في العبد ولا بد قائمة بكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ثم قوله بعد ذلك عدل في قضاؤك دليل على أن الله سبحانه عادل في كل ما يفعله بعبده من قضائه كله خيره وشره حلوه ومره فعله وجزائه فدل الحديث على الإيمان بالقدر والإيمان بأن الله عادل فيما قضاه فالأول التوحيد والثاني العدل وعند القدرية النفاة لو كان حكمه فيه ماضيا لكان ظالما له بإضلاله وعقوبته أما القدرية الجبرية فعندهم الظلم لا حقيقة له بل هو الممتنع لذاته الذي لا يدخل تحت القدرة فلا يقدر الرب تعالى عندهم على ما يسمى ظلما حتى يقال ترك الظلم وفعل العدل فعلى قولهم لا فائدة في قوله عدل في قضاؤك بل هو بمنزلة أن يقال نافذ في قضاؤك ولا بد وهو معنى قوله ماض في حكمك فيكون تكريرا لا فائدة فيه وعلى قولهم فلا يكون ممدوحا بترك الظلم إذ لا يمدح بترك المستحيل لذاته ولا فائدة في قوله أني حرمت الظلم على نفسي أو يظن معناه أني حرمت على نفسي ما لا يدخل تحت قدرتي وهو المستحيلات ولا فائدة في قوله: {فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} فإن كل أحد لا يخاف من المستحيل لذاته أن يقع ولا فائدة في قوله: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ} ولا في قوله: {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فنفوذ حكمه في عباده بملكه وعدله فيهم بحمده وهو سبحانه له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ونظير هذا قوله سبحانه حكاية عن نبيه هود أنه قال: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فقوله: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} مثل قوله ناصيتي بيدك ماض في حكمك وقوله: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} مثل قوله عدل في قضاؤك أي لا يتصرف في تلك النواصي إلا بالعدل والحكمة والمصلحة والرحمة لا يظلم أصحابها ولا يعاقبهم بما لم يعلموه ولا يهضمهم حسنات ما عملوه فهو سبحانه على صراط مستقيم في قوله وفعله يقول الحق ويفعل الخير والرشد وقد أخبر سبحانه أنه على الصراط المستقيم في سورة هود وفي سورة النحل فأخبر في هود أنه على صراط مستقيم في تصرفه في النواصي التي هي في قبضته وتحت يده وأخبر في النحل أنه يأمر بالعدل ويفعله وقد زعمت الجبرية أن العدل هو المقدور وزعمت القدرية
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 275