responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 297
تابعا لهما ضرورة ولهذا من سبي منفردا عنهما صار تابعا لسابيه عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم لكونه هو الذي يربيه وإذا سبي منفردا عن أحدهما أو معهما ففيه نزاع بين العلماء واحتجاج الفقهاء كأحمد وغيره بهذا الحديث على أنه متى سبي منفردا عن أبويه يصير مسلما إذ يستلزم أن يكون المراد بتكفير الأبوين لهما مجرد لحاقه لهما في الدين ولكن وجه الحجة أنه إذا ولد ولد على الملة فإنما ينقله عنه الأبوان اللذان يغيرانه عن الفطرة فمتى سباه المسلمين منفردا عنهما لم يكن هناك من يغير دينه وهو مولود على الملة الحنيفية فيصير مسلما بالمقتضى السالم عن المعارض ولو كان الأبوان يجعلانه كافرا في نفس الأمر بدون تعليم لكان الصبي المسبي بمنزلة البالغ الكافر ومعلوم أن البالغ الكافر إذا سباه المسلمون لم يصر مسلما لأنه صار كافرا حقيقة فلو كان الصبي التابع لأبويه كافرا حقيقة لم ينتقل عن الكفر بالسباء فعلم أنه كان يجري عليه حكم الكفر في الدنيا تبعا لأبويه لأنه صار كافرا في نفس الأمر تبين ذلك أنه لو سباه كفار ولم يكن معه أبواه لم يصر مسلما فهو هنا كافر في حكم الدنيا وإن لم يكن أبواه هوداه ونصراه فعلم أن المراد بالحديث أن الأبوين يلقناه الكفر ويعلمانه إياه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأبوين لأنهما الأصل العام الغالب في تربية الأطفال فإن كل طفل فلا بد له من أبوين وهما اللذان يربيانه مع بقائهما وقدرتهما ومما يبين ذلك قوله في الحديث الآخر "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإما شاكرا وإما كفورا" فجعله على الفطرة إلى أن يعقل ويميز فحينئذ يتبين له أحد الأمرين ولو كان كافرا في الباطن بكفر الأبوين لكان ذلك من حين يولد قبل أن يعرب عنه لسانه وكذلك قوله في الحديث الصحيح: "أني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا صريح في أنهم خلقوا على الحنيفية وأن الشياطين اجتالتهم وحرمت عليهم الحلال وأمرتهم بالشرك" فلو الطفل كان يصير كافرا في نفس الأمر من حين يولد لكونه يتبع أبويه في الدين قبل أن يعلمه أحد الكفر ويلقنه إياه لم تكن الشياطين هم الذين غيروهم عن الحنيفية وأمروهم بالشرك.
فصل: ومنشأ الاشتباه في هذه المسألة اشتباه أحكام الكفر في الدنيا بأحكام الكفر في الآخرة فإن أولاد الكفار لما كان تجري عليهم أحكام الكفر في الدنيا مثل ثبوت الولاية عليهم لآبائهم وحضانتهم لهم وتمكنهم من تعليمهم وتأديبهم والموازنة بينهم وبين نبيهم واسترقاقهم وغير ذلك صار يظن من يظن أنهم كفار في نفس الأمر كالذي تكلم بالكفر وعمل به ومن ها هنا قال محمد بن الحسن: "أن هذا الحديث وهو قوله كل مولود يولد على الفطرة كان قبل أن تنزل الأحكام" فإذا عرف أن كونهم ولدوا على الفطرة لا ينافي أن يكونوا تبعا لآبائهم في أحكام الدنيا وقد زالت الشبهة وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن يكتم إيمانه ولا يعلم المسلمون حاله فلا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن مع المشركين وهو في الآخرة من أهل الجنة كما أن المنافقين في الدنيا تجري عليهم أحكام المسلمين وهم في الدرك الأسفل من النار فحكم الدار الآخرة غير حكم الدار الدنيا وقوله "كل مولود يولد على الفطرة" إنما أراد به الإخبار

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 297
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست