نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 331
حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبيه قال: صلى بنا عمار بن ياسر صلاة فأوجز فيها، فقلت: خففت يا أَبا اليقظان، فقال: وما على من ذلك ولقد دعوت الله بدعوات سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام تبعه رجل من القوم فسأله عن الدعوات فقال: "اللَّهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينى ما علمت الحياة خيراً لى وتوفنى إذا علمت الوفاة خيراً لى، اللَّهم إنى أسألك خشيتك فى الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق فى الغضب والرضا، وأسألك القصد فى الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر فى وجهك والشوق إلى لقائك، فى غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين".
فهذا فيه إثبات لذة النظر إلى وجهه الكريم، وشوق أحبابه إلى لقائه، فإن حقيقة الشوق إليه هو الشوق إلى لقائه، قال أبو القاسم القشيرى: سمعت الأستاذ أبا على يقول فى [قوله] ، صلى الله عليه وسلم: " أسألك الشوق إلى لقائك" قال: كان الشوق مائة جزءٍ فتسعة وتسعون له، وجزءٌ متفرق فى الناس فأراد أن يكون ذلك الجزءُ له أيضاً، فغار أن تكون شظية من الشوق فى لغيره. قال: وسمعته يقول فى قول موسى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84] ، قال: معناه شوقاً إليك، فستره بلفظ [الرضا] ، وهذا أكثر مشايخ الطريق يطلقونه ولا يمتنعون منه.
وقيل: إن شعيباً بكى حتى عمى بصره، فأوحى الله إليه: إن كان هذا لأجل الجنة فقد أبحتها لك، وإن كان لأجل النار فقد أجرتك منها. فقال: لا بل شوقاً إليك، وقال بعض العارفين: من اشتاق إلى الله اشتاق إليه كل شيء.
وقال بعضهم: قلوب [المشتاقين] منوّرة بنور الله [عز وجل] فإذا تحرك اشتياقهم أضاء النور ما بين السماء والأرض، فيعرضهم الله على الملائكة فيقول: هؤلاء المشتاقون إلّى، أشهدكم أنى إليهم أشوق، وإذا كان الشوق هو سفر القلب فى طلب محبوبه ونزوعه إليه فهو من أشرف مقامات العبيد وأجلها وأعلاها، ومن أنكر شوق العبد إلى ربه فقد أنكر محبته له، لأن المحبة [تستلذم] الشوق [فالمحب] دائماً مشتاق إلى لقاء [حبيبه] : لا يهدأُ قلبه ولا يقر قراره إلا بالوصول إليه.
[وأما] قوله:"إن الشوق عند الخواص علة عظيمة، لأن الشوق إنما يكون إلى غائب، ومذهب [هذه] الطائفة إنما قام على المشاهدة" فيقال: المشاهدة نوعان: مشاهدة عرفان،
نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 331