نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 336
مشحون بالبر مغشى به، وهو إِما بر القلب وهو كثرة خيره، فهذا القلب أكثر القلوب خيراً، فيفعل البر [تقرباً] إلى من هو مشتاق إليه، فهو يجيش بأَنواع البر، وهذه من فوائد المحبة أن قلب صاحبها ينبع منه عيون الخير وتتفجر منه ينابيع البر، يريد به بأن مبارّ الله ونعمه تغشاه على الدوام.
وقوله: "وتخالجه المسار" [أى مخالطة] السرور فى غضو أشواقه، فإنها أشواق لا وحشة معها ولا ألم، بل هى محشوة بالمسرات.
وقوله: "ويقارنه الاصطبار" أى صاحبه له قوة على اصطباره على مرضاة حبيبه شوقه إليه، وإنما يضعف الصبر لضعف المحبة والمحب من أصبر الخلق كما قيل:
نفس المحب على الآلام صابرة ... لعل مسقمها يوماً يداويها
وقوله فى الدرجة الثالثة: "إنها نار أضرمها صفو المحبة" يعنى أن هذا الشوق يتوقد من خالص المحبة التى لا تشوبها علة، فهو أشد أنواع الشوق، ولهذا " [نغصت] العيش" أى كدرته ونغصت المشتاق فيه لأنه لا يصل إلى محبوبه ما دام فيه، فهو يترقب مفارقته.
وقوله: "وسلبت السلوّ" يعنى أن صاحبه لم يبق له مطمع فى سلوه أبداً، وهذا أعظم ما يكون من الحب والشوق، أن المحب أَيس من السلو [وينقطع] طمعه منه كما [ييأس] من الأُمور الممتنعة كرجوع أيام الشباب عليه وعوده طفلاً ونحو ذلك.
وقوله: "ولم ينهنهها مقرّ دون اللقاءِ" أى أن هذه النار لا يبردها ولا يفتر حرها مقصود ولا مطلب ولا مراد دون لقاءِ محبوبه، فليس لا سبيل إلى تبريدها وتسكينها إلا بلقاءِ محبوبه.
فصل
قال أبو العباس: "فهذه كلها علل أنف الخواص منها وأسباب انفطموا عنها، فلم يبق لهم مع الحق إرادة، ولا فى عطائه تشوق إلى استزادة.
فهو منتهى زادهم وغاية رغبتهم فيعتقدون أن ما دونه قاطع عنه: {قُلْ أَى شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ} [الأنعام: 19] ، وإنما زهدهم جمع الهمة عن تعريفات الكون لأَن الحق عافاهم بنور الكشف عن التعلق بالأَحوال: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَينَ الأَخْيَارِ} [سورة ص: 46- 47] .
قلت: يشير بذلك إلى المحو ومقام الفناءِ الذى هو غاية الغايات عنده، وقد تقدم الكلام عليه وأن مقام الصحو والبقاءِ أفضل منه وأتم عبودية. وينبغى أن يعرف أن مراعاة مقام الفناءِ الذى جعلوه غاية آلَ
نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 336