responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 337
بكثير من طالبيه إلى ترك القيام بالأعمال جملة ورأَوا أنها علل قاطعة عنه، واشتد نكير الشيوخ والأئمة عليهم حتى قال شيخ الطائفة الجنيد [رحمه الله] إن الذى يزنى ويسرق خير من هؤلاء.
وهم نوعان: نوع جردوا الفناءَ فى شهود الحكم: وهو الحكم القدرى ورأوا أنه نهاية التوحيد، فآل بهم استغراقهم فيه إلى اطراح الأسباب حتى قال قائلهم: العارف لا يعرّف معروفاً ولا ينكر منكراً لاستبصاره بشر الله فى القدر.
والنوع الثانى: أصحاب تجريد الفناءِ والإرادة فجردوا الفناءَ والإرادة تجريداً آل بهم إلى ترك الأسباب جملة، والطائفتان منحرفتان ضالتان خارجتان عن العلم والدين، ولهذا قال لهم شيخ القوم الجنيد: عليكم بالفرق الثانى. يعنى أن الفرق فرقان: فرق بالطبع والهوى، وهو الفرق الذى شهدوه وفروا منه إلى معنى الجمع.
ولكن بعد الجمع فرق ثان وهو الفرق بالأمر والمحبة، لا بالشهوة والطبع، وهو دين الرسل [صلوات الله عليهم وسلم] فإن دينهم مبناه على الفرق الأَمرى الشرعى بين محبوب الرب ومأْموره وبين مسخوطه ومنهيه، فمن لم يشهد هذا الفرق ولم يكن من أهله لم يكن من أَتباع الرسل، فإن الكمال شهود الجمع فى هذا الفرق فيشهد انفراد الله وحده بالخلق والأمر، ويشهد الفرق بين ما يحبه فيؤثره ويقدمه وبين ما يبغضه فيتركه ويتجنبه فيصير له هذا الفرق فى محل فرقه الطبعى الحسى بين ما يلائمه وينافره.
ومن المعلوم أن صاحب الجمع لا بد أن يفرق بطبعه وحسه، وإن ادعى عدم التفريق طبعاً فإنه كاذب مفتر، إذا كان لا بد من الفرق فالفرق الشرعى الإيمانى الذى بعث الله به رسله أدلى به من الفرق الطبعى الحيوانى الذى شاركه فيه سائر البهائم.
وأبطل من هذا الجمع الجمع فى الوجود، وهو أن يرى الوجود كله واحداً لا فرق فيه أصلاً، وإنما التفريق بالعادة والوهم فقط ما يقوله زنادقة القائلين بوحدة الوجود الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق بل يجعلون وجود أحدهما وجود الآخر بل ليس عندهم فرق بين أحدهما والآخر إذ ما ثم غير.
فهذا جمع فى الوجود وجمع أُولئك جمع فى الشهود: {فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 213] [فكانوا أصحاب الجمع فى الفرق ففرقوا بين ما فرق الله بينه بإذنه وجمعوا الأشياء كلها فى خلقه وأمره وجمعوا إراداتهم ومحبتهم وشهودهم فيه] ، فكانوا أصحاب جمع فى فرق وفرق فى جمع. فهؤلاء خواص الخلق، فنسأل الله العظيم من فضله وكرمه أن يجعلنا منهم. فهؤلاء هم

نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 337
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست