responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 257
حَتَّى فَسَدَتْ وَبَطَلَ حُكْمُهَا، وَصَارَ النَّاقِلُ لَهُمْ عَنْهَا هُوَ الْحَاكِمَ الْعَامِلَ فِيهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مُقْتَضَى الْخِلْقَةِ وَأَصْلِ الْفِطْرَةِ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ: ( «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا» ) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» " فَأَخْبَرَ أَنَّ أَصْلَ وِلَادَتِهِمْ وَنَشْأَتِهِمْ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَأَنَّ التَّهْوِيدَ وَالتَّنْصِيرَ وَالتَّمْجِيسَ طَارِئٌ طَرَأَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَعَارِضٌ عَرَضَ لَهَا، وَاقْتَضَى هَذَا الْعَارِضُ الَّذِي عَرَضَ لِلْفِطْرَةِ أُمُورًا اسْتَلْزَمَتْ تَرْتِيبَ آثَارِهَا عَلَيْهَا بِحَسَبِ قُوَّتِهَا وَضَعْفِهَا، فَالْآلَامُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْآلَامِ وَالْعُقُوبَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى خُرُوجِ الْبَدَنِ عَنْ صِحَّتِهِ، وَهُوَ إِنَّمَا خُلِقَ عَلَى الصِّحَّةِ وَالِاعْتِدَالِ، فَإِذَا اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَلَمٌ، وَكَذَلِكَ الْقَلْبُ فُطِرَ عَلَى الْفِطْرَةِ الصَّحِيحَةِ، فَلَمَّا عَرَضَ لَهُ الْفَسَادُ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْعَارِضِ أَثَرُهُ مِنَ الْآلَامِ وَالْعُقُوبَاتِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَارِضَ لَيْسَ فِي أَصْلِ الْفِطْرَةِ بِحَيْثُ يَسْتَحِيلُ زَوَالُهُ، بَلْ هُوَ مُمْكِنُ الزَّوَالِ، وَالنَّاسُ فِي زَوَالِهِ، فَحِينَ عَادَ إِلَى مُوجِبِ الْفِطْرَةِ أَجَابَ الدَّاعِيَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ لِقُوَّةِ الْعَارِضِ فَاحْتَاجَ مَعَ الدَّعْوَةِ إِلَى مَوْعِظَةٍ تَتَضَمَّنُ تَرْهِيبَهُ وَتَرْغِيبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْمَادَّةُ الْفَاسِدَةُ فَاحْتَاجَ مَعَ ذَلِكَ إِلَى الْمُجَادَلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ الْعَارِضُ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَدَلَ مَعَهُ إِلَى الْجِلَادِ وَالْمُحَارَبَةِ وَنَوْعٍ مِنَ الْعُقُوبَةِ، فَأَزَالَ ذَلِكَ تِلْكَ الْمَادَّةَ وَأَعَادَ الْفِطَرَ إِلَى صِحَّتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ فَسَادُ فِطْرَتِهِ قَدِ اسْتَحْكَمَ وَتَمَكَّنَ، فَصَارَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ، وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَحْتَمِيَ عَنْهُ لِيَزُولَ ذَلِكَ الْخَبَثُ وَيَتَخَلَّصَ مِنْهُ، وَيَعُودَ عَلَى مَا خُلِقَ عَلَيْهِ أَوَّلًا.
وَلِهَذَا لَمَّا خَرَجَ خَبَثُ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ بِسُرْعَةٍ؛ تَعَجَّلَ خُرُوجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَعَادَ إِلَى مَا خُلِقُوا عَلَيْهِ أَوَّلًا مِنْ كَمَالِ النَّشْأَةِ وَزَوَالِ مُوجِبِ هَذَا الْعَذَابِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَصْلَحَةٌ فِي التَّعْذِيبِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ: فَلَمَّا كَانَ الْعَارِضُ اسْتَحْكَمَ فِيهِمْ وَصَارَ كَالْهَيْئَةِ وَالصِّفَةِ اسْتَمَرُّوا فِي النَّارِ، تُحْمَى عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الْحُمُوِّ لِقُوَّةِ ذَلِكَ الْخَبَثِ

نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 257
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست