responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 368
وَالرِّضْوَانَ ثَوَابًا مُنْفَصِلًا مَخْلُوقًا، وَقَوْلَ مَنْ قَالَ: هِيَ إِرَادَتُهُ الْإِحْسَانَ، فَإِنَّ إِرَادَتَهُ الْإِحْسَانَ هِيَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّحْمَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الرَّحْمَةِ أَنْ يُرِيدَ الْإِحْسَانَ إِلَى الْمَرْحُومِ، فَإِذَا انْتَفَتْ حَقِيقَةُ الرَّحْمَةِ انْتَفَى لَازِمُهَا، وَهُوَ إِرَادَةُ الْإِحْسَانِ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ وَالْمَقْتِ هِيَ أُمُورٌ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْعُقُوبَةِ، فَإِذَا انْتَفَتْ حَقَائِقُ تِلْكَ الصِّفَاتِ انْتَفَى لَازِمُهَا، فَإِنَّ ثُبُوتَ لَازِمِ الْحَقِيقَةِ مَعَ انْتِفَائِهَا مُمْتَنِعٌ، فَالْحَقِيقَةُ لَا تُوجَدُ مُنْفَكَّةً عَنْ لَوَازِمِهَا.
الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنَّ ظُهُورَ آثَارِ هَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْوُجُودِ كَظُهُورِ أَثَرِ صِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ، فَإِنَّ مَا لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ مِنَ الْإِحْسَانِ وَالْإِنْعَامِ شَاهِدٌ بِرَحْمَةٍ تَامَّةٍ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، كَمَا أَنَّ الْمَوْجُودَاتِ كُلَّهَا شَاهِدَةٌ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ التَّامَّةِ الْكَامِلَةِ، وَمَا فِي الْعَالَمِ مِنْ آثَارِ التَّدْبِيرِ وَالتَّصْرِيفِ الْإِلَهِيِّ شَاهِدٌ بِمُلْكِهِ سُبْحَانَهُ، فَجَعَلَ صِفَةَ الرَّحْمَةِ وَاسْمَ الرَّحْمَةِ مَجَازًا كَجَعْلِ صِفَةِ الْمُلْكِ وَالرُّبُوبِيَّةِ مَجَازًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي شَرْعٍ وَلَا عَقْلٍ وَلَا لُغَةٍ.
وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ بُطْلَانَ هَذَا الْقَوْلِ فَانْظُرْ إِلَى مَا فِي الْوُجُودِ مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، فَبِرَحْمَتِهِ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا كِتَابَهُ وَعَصَمَنَا مِنَ الْجَهَالَةِ وَهَدَانَا مِنَ الضَّلَالَةِ وَبَصَّرَنَا مِنَ الْعَمَى وَأَرْشَدَنَا مِنَ الْغَيِّ، وَبِرَحْمَتِهِ عَرَّفَنَا مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَتِهِ وَأَفْعَالِهِ مَا عَرَفْنَا بِهِ أَنَّهُ رَبُّنَا وَمَوْلَانَا، وَبِرَحْمَتِهِ عَلَّمَنَا مَا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ، وَأَرْشَدَنَا لِمَصَالِحِ دِينِنَا وَدُنْيَانَا، وَبِرَحْمَتِهِ أَطْلَعَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَبَسَطَ الْأَرْضَ، وَجَعَلَهَا مِهَادًا وَفِرَاشًا وَقَرَارًا وَكِفَاتًا لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، وَبِرَحْمَتِهِ أَنْشَأَ السَّحَابَ وَأَمْطَرَ الْمَطَرَ، وَأَطْلَعَ الْفَوَاكِهَ وَالْأَقْوَاتَ وَالْمَرْعَى، وَمِنْ رَحْمَتِهِ سَخَّرَ لَنَا الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَالْأَنْعَامَ وَذَلَّلَهَا مُنْقَادَةً لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَالْأَكْلِ وَالدَّرِّ، وَبِرَحْمَتِهِ وَضَعَ الرَّحْمَةَ بَيْنَ عِبَادِهِ لِيَتَرَاحَمُوا بِهَا، وَكَذَلِكَ بَيْنَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ.
فَهَذَا التَّرَاحُمُ الَّذِي بَيْنَهُمْ بَعْضُ آثَارِ الرَّحْمَةِ الَّتِي هِيَ صِفَتُهُ وَنِعْمَتُهُ، وَاشْتَقَّ لِنَفْسِهِ مِنْهَا اسْمَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَوْصَلَ إِلَى خَلْقِهِ مَعَانِيَ خِطَابِهِ بِرَحْمَتِهِ، وَبَصَّرَهُمْ وَمَكَّنَ لَهُمْ أَسْبَابَ مَصَالِحِهِمْ بِرَحْمَتِهِ، وَأَوْسَعَ الْمَخْلُوقَاتِ عَرْشَهُ، وَأَوْسَعَ الصِّفَاتِ رَحْمَتَهُ، فَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ الَّذِي وَسِعَ الْمَخْلُوقَاتِ بِصِفَةِ رَحْمَتِهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِهَذَا الِاسْمِ الَّذِي اشْتَقَّهُ مِنْ صِفَتِهِ وَتَسَمَّى بِهِ دُونَ خَلْقِهِ، كَتَبَ بِمُقْتَضَاهُ عَلَى نَفْسِهِ يَوْمَ اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ حِينَ قَضَى الْخَلْقَ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُ وَضَعَهُ

نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 368
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست