responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 227
فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اخْتَصَّ نَوْعَ الْإِنْسَانِ مِنْ بَيْنِ خَلْقِهِ بِأَنْ كَرَّمَهُ وَفَضَّلَهُ، وَشَرَّفَهُ، وَخَلَقَهُ لِنَفْسِهِ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ، وَخَصَّهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَقُرْبِهِ وَإِكْرَامِهِ بِمَا لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ، وَسَخَّرَ لَهُ مَا فِي سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا، حَتَّى مَلَائِكَتَهُ - الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ قُرْبِهِ - اسْتَخْدَمَهُمْ لَهُ، وَجَعَلَهُمْ حَفَظَةً لَهُ فِي مَنَامِهِ وَيَقَظَتِهِ، وَظَعْنِهِ وَإِقَامَتِهِ، وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ كُتُبَهُ، وَأَرْسَلَهُ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، وَخَاطَبَهُ وَكَلَّمَهُ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَاتَّخَذَ مِنْهُمُ الْخَلِيلَ وَالْكَلِيمَ، وَالْأَوْلِيَاءَ وَالْخَوَاصَّ وَالْأَحْبَارَ، وَجَعَلَهُمْ مَعْدِنَ أَسْرَارِهِ، وَمَحَلَّ حِكْمَتِهِ، وَمَوْضِعَ حُبِّهِ، وَخَلَقَ لَهُمُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَخَلَقَ الْأَمْرَ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ مَدَارُهُ عَلَى النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، فَإِنَّهُ خُلَاصَةُ الْخَلْقِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَعَلَيْهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ.
فَلِلْإِنْسَانِ شَأْنٌ لَيْسَ لِسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَقَدْ خَلَقَ أَبَاهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَظْهَرَ فَضْلَهُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَمَنْ دُونَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَطَرَدَ إِبْلِيسَ عَنْ قُرْبِهِ، وَأَبْعَدَهُ عَنْ بَابِهِ، إِذْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ مَعَ السَّاجِدِينَ، وَاتَّخَذَهُ عَدُوًّا لَهُ.
فَالْمُؤْمِنُ مِنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَخِيَرَةُ اللَّهِ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّهُ خَلَقَهُ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ، وَلِيَتَوَاتَرَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ، وَلِيَخُصَّهُ مِنْ كَرَامَتِهِ وَفَضْلِهِ بِمَا لَمْ تَنَلْهُ أُمْنِيَّتُهُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِهِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ، لِيَسْأَلَهُ مِنَ الْمَوَاهِبِ وَالْعَطَايَا الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ، الَّتِي لَا تُنَالُ إِلَّا بِمَحَبَّتِهِ، وَلَا تُنَالُ مَحَبَّتُهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَإِيثَارِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ، فَاتَّخَذَهُ مَحْبُوبًا لَهُ، وَأَعَدَّ لَهُ أَفْضَلَ مَا يُعِدُّهُ مُحِبٌّ غَنِيٌّ قَادِرٌ جَوَادٌ لِمَحْبُوبِهِ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ، وَعَهِدَ إِلَيْهِ عَهْدًا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ فِيهِ بِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَأَعْلَمَهُ فِي عَهْدِهِ مَا يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ، وَيَزِيدُهُ مَحَبَّةً لَهُ وَكَرَامَةً عَلَيْهِ، وَمَا يُبْعِدُهُ مِنْهُ وَيُسْخِطُهُ عَلَيْهِ، وَيُسْقِطُهُ مِنْ عَيْنِهِ.
وَلِلْمَحْبُوبِ عَدُوٌّ، هُوَ أَبْغَضُ خَلْقِهِ إِلَيْهِ، قَدْ جَاهَرَهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَأَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَكُونَ دِينُهُمْ وَطَاعَتُهُمْ وَعِبَادَتُهُمْ لَهُ، دُونَ وَلِيِّهِمْ وَمَعْبُودِهِمُ الْحَقِّ، وَاسْتَقْطَعَ عِبَادَهُ، وَاتَّخَذَ مِنْهُمْ حِزْبًا ظَاهَرُوهُ وَوَالَوْهُ عَلَى رَبِّهِمْ، وَكَانُوا أَعْدَاءً لَهُ مَعَ هَذَا الْعَدُوِّ، يَدْعُونَ إِلَى سُخْطِهِ، وَيَطْعَنُونَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَيَسُبُّونَهُ وَيُكَذِّبُونَهُ، وَيَفْتِنُونَ أَوْلِيَاءَهُ، وَيُؤْذُونَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْأَذَى، وَيَجْهَدُونَ عَلَى إِعْدَامِهِمْ مِنَ الْوُجُودِ وَإِقَامَةِ الدَّوْلَةِ لَهُمْ، وَمَحْوِ كُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَتَبْدِيلِهِ بِكُلِّ مَا يَسْخَطُهُ وَيَكْرَهُهُ، فَعَرَّفَهُ بِهَذَا الْعَدُوِّ وَطَرَائِقِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَمَا لَهُمْ، وَحَذَّرَهُ مُوَالَاتَهُمْ وَالدُّخُولَ فِي زُمْرَتِهِمْ وَالْكَوْنَ مَعَهُمْ.
وَأَخْبَرَهُ فِي عَهْدِهِ أَنَّهُ أَجْوَدُ الْأَجْوَدِينَ، وَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَنَّهُ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، وَحِلْمُهُ عُقُوبَتَهُ، وَعَفْوُهُ مُؤَاخَذَتَهُ، وَأَنَّهُ قَدْ أَفَاضَ عَلَى خَلْقِهِ النِّعْمَةَ،

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 227
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست