responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 252
وَيُأَوِّلُونَ الْآيَةَ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُهْلِكُهُمْ مَعَ إِصْلَاحِهِمْ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَخِلَافُ خَبَرِهِ وَمَعْلُومِهِ مُسْتَحِيلٌ، وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الظُّلْمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْآيَةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا هَذَا قَطْعًا وَلَا أُرِيدَ بِهَا، وَلَا تَحْتَمِلُهُ بِوَجْهٍ، إِذْ يَئُولُ مَعْنَاهَا إِلَى أَنَّهُ مَا كَانَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَهُمْ مُصْلِحُونَ، وَكَلَامُهُ تَعَالَى يَتَنَزَّهُ عَنْ هَذَا وَيَتَعَالَى عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَيْضًا الْعَبَثُ وَالسُّدَى وَالْبَاطِلُ، كُلُّهَا هِيَ الْمُسْتَحِيلَاتُ الْمُمْتَنِعَةُ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَقْدُورِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهَا، إِذْ نَسَبَهُ إِلَيْهَا أَعْدَاؤُهُ الْمُكَذِّبُونَ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، الْمُنْكِرُونَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْخَلْقِ عَبَثًا وَبَاطِلًا، وَحِكْمَتُهُ وَعِزَّتُهُ تَأْبَى ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] أَيْ لِغَيْرِ شَيْءٍ، لَا تُؤْمَرُونَ وَلَا تُنْهَوْنَ، وَلَا تُثَابُونَ وَلَا تُعَاقَبُونَ، وَالْعَبَثُ قَبِيحٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قُبْحَ هَذَا مُسْتَقِرٌّ فِي الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ إِنْكَارَ مُنَبِّهٍ لَهُمْ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى عُقُولِهِمْ وَفِطَرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَوْ فَكَّرُوا وَأَبْصَرُوا لَعَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ، وَلَا يَحْسُنُ مِنْهُ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ عَبَثًا، لَا لِأَمْرٍ وَلَا لِنَهْيٍ، وَلَا لِثَوَابٍ وَلَا لِعِقَابٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُسْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْجَزَاءِ مُسْتَقِرٌّ فِي الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ، وَأَنَّ مَنْ جَوَّزَ عَلَى اللَّهِ الْإِخْلَالَ بِهِ فَقَدْ نَسَبَهُ إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَإِلَى مَا تَأْبَاهُ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى وَصِفَاتُهُ الْعُلْيَا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36] قَالَ الشَّافِعِيُّ: مُهْمَلًا لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يُثَابُ وَلَا يُعَاقَبُ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ، فَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ يَحْسَبُ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَبِيحٌ تَأْبَاهُ حِكْمَتُهُ وَعِزَّتُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ سُدًى بِقَوْلِهِ: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} [القيامة: 37] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَلَوْ كَانَ قُبْحُهُ إِنَّمَا عُلِمَ بِالسَّمْعِ لَكَانَ يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ خِلَافُ السَّمْعِ، وَخِلَافُ مَا أَعْلَمَنَاهُ وَأَخْبَرَنَا بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ إِنْكَارُهُ لِكَوْنِهِ قَبِيحًا فِي نَفْسِهِ، بَلْ لِكَوْنِهِ خِلَافَ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ وَجْهَ الْكَلَامِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص: 27] وَالْبَاطِلُ الَّذِي ظَنُّوهُ: لَيْسَ هُوَ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، بَلِ الَّذِي ظَنُّوهُ: أَنَّهُ لَا

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 252
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست