responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 270
وَمُرَادُهُ أَنَّ تَوْبَتَهُمْ مَدْخُولَةٌ عِنْدَ الْخَوَاصِّ مَنْقُوصَةٌ، فَإِنَّ تَوْبَتَهُمْ مِنِ اسْتِكْثَارِهِمْ لِمَا يَأْتُونَ بِهِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالطَّاعَاتِ، أَيْ رُؤْيَتِهِمْ كَثْرَتَهَا، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ ثَلَاثَ مَفَاسِدَ عِنْدَ الْخَاصَّةِ:
إِحْدَاهَا: أَنَّ حَسَنَاتِهِمُ الَّتِي يَأْتُونَ بِهَا سَيِّئَاتٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَامِ الْخَاصَّةِ، فَإِنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، فَهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ هَذِهِ الْحَسَنَاتِ، فَلِغَفْلَتِهِمْ - بِاسْتِكْثَارِهَا - عَنْ عُيُوبِهَا وَرُؤْيَتِهَا وَمُلَاحَظَتِهَا هُمْ جَاحِدُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ فِي سَتْرِهَا عَلَيْهِمْ وَإِمْهَالِهِمْ، كَسَتْرِهِ عَلَى أَهْلِ الذُّنُوبِ الظَّاهِرَةِ تَحْتَ سَتْرِهِ وَإِمْهَالِهِ، لَكِنَّ أَهْلَ الذُّنُوبِ مُقِرُّونَ بِسَتْرِهِ وَإِمْهَالِهِ، وَهَؤُلَاءِ جَاحِدُونَ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ قَدْ تَوَفَّرَتْ هِمَمُهُمْ عَلَى اسْتِكْثَارِهِمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ، دُونَ مُطَالَعَةِ عَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ، وَالتَّفْتِيشِ عَلَى دَسَائِسِهِمَا، وَأَنَّ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى اسْتِكْثَارِهَا رُؤْيَتُهَا وَالْإِعْجَابُ بِهَا، وَلَوْ تَفَرَّغُوا لِتَفْتِيشِهَا، وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ عَلَيْهَا، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا فِيهَا مِنَ الْحَظِّ وَالْحَقِّ، لَشَغَلَهُمْ ذَلِكَ عَنِ اسْتِكْثَارِهَا، وَلِأَجْلِ هَذَا كَانَ مِنْ عَدِمَ الْحُضُورَ وَالْمُرَاقَبَةَ وَالْجَمْعِيَّةَ فِي الْعَمَلِ، خَفَّ عَلَيْهِ وَاسْتَكْثَرَ مِنْهُ، فَكَثُرَ فِي عَيْنِهِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَادَةِ، فَإِذَا أَخَذَ نَفْسَهُ بِتَخْلِيصِهَا مِنَ الشَّوَائِبِ، وَتَنْقِيَتِهَا مِنَ الْكَدَرِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَوْكِ الرِّيَاءِ وَشِبْرِقِ الْإِعْجَابِ، وَجَمْعِيَّةِ الْقَلْبِ وَالْهَمِّ عَلَى اللَّهِ بِكُلِّيَّتِهِ وَجَدَ لَهُ ثِقَلًا كَالْجِبَالِ، وَقَلَّ فِي عَيْنِهِ، وَلَكِنْ إِذَا وَجَدَ حَلَاوَتَهُ سَهُلَ عَلَيْهِ حَمْلُ أَثْقَالِهِ، وَالْقِيَامُ بِأَعْبَائِهِ، وَالتَّلَذُّذُ وَالتَّنَعُّمُ بِهِ مَعَ ثِقَلِهِ.
وَإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ هَذَا الْقَدْرِ كَمَا يَنْبَغِي، فَانْظُرْ وَقْتَ أَخْذِكَ فِي الْقِرَاءَةِ إِذَا أَعْرَضْتَ عَنْ وَاجِبِهَا وَتَدَبُّرِهَا وَتَعَقُّلِهَا، وَفَهْمِ مَا أُرِيدَ بِكُلِّ آيَةٍ، وَحَظِّكَ مِنَ الْخِطَابِ بِهَا، وَتَنْزِيلِهَا عَلَى أَدْوَاءِ قَلْبِكَ وَالتَّقَيُّدِ بِهَا، كَيْفَ تُدْرِكُ الْخَتْمَةَ - أَوْ أَكْثَرَهَا، أَوْ مَا قَرَأْتَ مِنْهَا - بِسُهُولَةٍ وَخِفَّةٍ، مُسْتَكْثِرًا مِنَ الْقِرَاءَةِ، فَإِذَا أَلْزَمْتَ نَفْسَكَ التَّدَبُّرَ وَمَعْرِفَةَ الْمُرَادِ، وَالنَّظَرَ إِلَى مَا يَخُصُّكَ مِنْهُ وَالتَّعَبُّدَ بِهِ، وَتَنْزِيلَ دَوَائِهِ عَلَى أَدْوَاءِ قَلْبِكَ، وَالِاسْتِشْفَاءَ بِهِ، لَمْ تَكَدْ تَجُوزُ السُّورَةَ أَوِ الْآيَةَ إِلَى غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا جَمَعْتَ قَلْبَكَ كُلَّهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، أَعْطَيْتَهُمَا مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْحُضُورِ وَالْخُشُوعِ وَالْمُرَاقَبَةِ، لَمْ تَكَدْ أَنْ تُصَلِّيَ غَيْرَهُمَا إِلَّا بِجَهْدٍ، فَإِذَا خَلَا الْقَلْبُ مِنْ ذَلِكَ عَدَّدْتَ الرَّكَعَاتِ بِلَا حِسَابٍ، فَالِاسْتِكْثَارُ مِنَ الطَّاعَاتِ دُونَ مُرَاعَاةِ آفَاتِهَا وَعُيُوبِهَا لِيَتُوبَ مِنْهَا هِيَ تَوْبَةُ الْعَامَّةِ.
الْمَفْسَدَةُ الثَّانِيَةُ: رُؤْيَةُ فَاعِلِهَا أَنَّ لَهُ حَقًّا عَلَى اللَّهِ فِي مُجَازَاتِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَسَنَاتِ بِالْجَنَّاتِ وَالنَّعِيمِ وَالرِّضْوَانِ، وَلِهَذَا كَثُرَتْ فِي عَيْنِهِ مَعَ غَفْلَتِهِ عَنْ أَعْمَالِهِ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْمَالَ الثَّقَلَيْنِ لَا تَسْتَقِلُّ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَلَا النَّجَاةِ مِنَ النَّارِ، وَأَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ الْبَتَّةَ مِنَ النَّارِ بِعَمَلِهِ، إِلَّا بِعَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 270
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست