responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 276
وَلَمَّا اجْتَمَعَ التَّعْطِيلَانِ لِمَنِ اجَتَمَعَا لَهُ - مِنَ السَّالِكِينَ - تَوَلَّدَ مِنْهُمَا الْقَوْلُ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، الْمُتَضَمِّنُ لِإِنْكَارِ الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ، وَعُبُودِيَّتِهِ، وَعَصَمَ اللَّهُ أَبَا إِسْمَاعِيلَ بِاعْتِصَامِهِ بِطَرِيقَةِ السَّلَفِ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ، فَأَشْرَفَ مِنْ عُقْبَةِ الْفَنَاءِ عَلَى وَادِي الِاتِّحَادِ بِأَرْضِ الْحُلُولِ، فَلَمْ يَسْلُكْ فِيهَا، وَلِوُقُوفِهِ عَلَى عُقْبَتِهِ، وَإِشْرَافِهِ عَلَى تِلْكَ الرُّبُوعِ الْخِرَابِ، وَدَعْوَةِ الْخَلْقِ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَى تِلْكَ الْعُقْبَةِ، أَقْسَمَتِ الِاتِّحَادِيَّةُ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُ لَمَعَهُمْ، وَمِنْهُمْ، وَحَاشَاهُ.
وَتَوَلَّى شَرْحَ كِتَابِهِ أَشَدُّهُمْ فِي الِاتِّحَادِ طَرِيقَةً، وَأَعْظَمُهُمْ فِيهِ مُبَالَغَةً وَعِنَادًا لِأَهْلِ الْفَرْقِ الْعَفِيفِ التِّلِمْسَانِيُّ وَنَزَّلَ الْجَمْعَ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ عَلَى جَمْعِ الْوُجُودِ، وَهُوَ لَمْ يَرِدْ بِهِ - حَيْثُ ذَكَرَهُ - إِلَّا جَمْعُ الشُّهُودِ، وَلَكِنَّ الْأَلْفَاظَ مُجْمَلَةٌ، وَصَادَفَتْ قَلْبًا مَشْحُونًا بِالِاتِّحَادِ، وَلِسَانًا فَصِيحًا مُتَمَكِّنًا مِنَ التَّعْبِيرِ عَنِ الْمُرَادِ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] .

[فَصْلٌ تَوْبَةُ الْأَوْسَاطِ]
قَالَ: وَتَوْبَةُ الْأَوْسَاطِ مِنِ اسْتِقْلَالِ الْعَبْدِ الْمَعْصِيَةَ، وَهُوَ عَيْنُ الْجُرْأَةِ وَالْمُبَارَزَةِ، وَمَحْضُ التَّزَيُّنِ بِالْحَمِيَّةِ، وَالِاسْتِرْسَالِ لِلْقَطِيعَةِ.
يُرِيدُ أَنَّ اسْتِقْلَالَ الْمَعْصِيَةِ ذَنْبٌ، كَمَا أَنَّ اسْتِكْثَارَ الطَّاعَةِ ذَنْبٌ، وَالْعَارِفُ مَنْ صَغُرَتْ حَسَنَاتُهُ فِي عَيْنِهِ، وَعَظُمَتْ ذُنُوبُهُ عِنْدَهُ، وَكُلَّمَا صَغُرَتِ الْحَسَنَاتُ فِي عَيْنِكَ كَبُرَتْ عِنْدَ اللَّهِ، وَكُلَّمَا كَبُرَتْ وَعَظُمَتْ فِي قَلْبِكَ قَلَّتْ وَصَغُرَتْ عِنْدَ اللَّهِ، وَسَيِّئَاتُكَ بِالْعَكْسِ، وَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَحَقَّهُ وَمَا يَنْبَغِي لِعَظَمَتِهِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ تَلَاشَتْ حَسَنَاتُهُ عِنْدَهُ، وَصَغُرَتْ جِدًّا فِي عَيْنِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَنْجُو بِهَا مِنْ عَذَابِهِ، وَأَنَّ الَّذِي يَلِيقُ بِعِزَّتِهِ، وَيَصْلُحُ لَهُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ أَمْرٌ آخَرُ، وَكُلَّمَا اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَقَلَّهَا وَاسْتَصْغَرَهَا، لِأَنَّهُ كُلَّمَا اسْتَكْثَرَ مِنْهَا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ، فَشَاهَدَ قَلْبُهُ مِنْ عَظَمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَجَلَالِهِ مَا يَسْتَصْغِرُ مَعَهُ جَمِيعَ أَعْمَالِهِ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْمَالَ الثَّقَلَيْنِ، وَإِذَا كَثُرَتْ فِي عَيْنِهِ وَعَظُمَتْ دَلَّ عَلَى

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 276
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست