responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 28
أَسْمَعَ وَاللَّهِ لَوْ صَادَفَ آذَانًا وَاعِيَةً، وَبَصَّرَ لَوْ صَادَفَ قُلُوبًا مِنَ الْفَسَادِ خَالِيَةً، لَكِنْ عَصَفَتْ عَلَى الْقُلُوبِ هَذِهِ الْأَهْوَاءُ فَأَطْفَأَتْ مَصَابِيحَهَا، وَتَمَكَّنَتْ مِنْهَا آرَاءُ الرِّجَالِ فَأَغْلَقَتْ أَبْوَابَهَا وَأَضَاعَتْ مَفَاتِيحَهَا، وَرَانَ عَلَيْهَا كَسْبُهَا فَلَمْ تَجِدْ حَقَائِقُ الْقُرْآنِ إِلَيْهَا مَنْفَذًا، وَتَحَكَّمَتْ فِيهَا أَسْقَامُ الْجَهْلِ فَلَمْ تَنْتَفِعْ مَعَهَا بِصَالِحِ الْعَمَلِ.
وَا عَجَبًا لَهَا! كَيْفَ جَعَلَتْ غِذَاءَهَا مِنْ هَذِهِ الْآرَاءِ الَّتِي لَا تُسْمِنُ وَلَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ، وَلَمْ تَقْبَلِ الِاغْتِذَاءَ بِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَنُصُوصِ حَدِيثِ نَبِيِّهِ الْمَرْفُوعِ، أَمْ كَيْفَ اهْتَدَتْ فِي ظُلَمِ الْآرَاءِ إِلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ، وَخَفِيَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فِي مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ؟ .
وَاعَجَبًا! كَيْفَ مَيَّزَتْ بَيْنَ صَحِيحِ الْآرَاءِ وَسَقِيمِهَا، وَمَقْبُولِهَا وَمَرْدُودِهَا، وَرَاجِحِهَا وَمَرْجُوحِهَا، وَأَقَرَّتْ عَلَى أَنْفُسِهَا بِالْعَجْزِ عَنْ تَلَقِّي الْهُدَى وَالْعِلْمِ مِنْ كَلَامِ مَنْ كَلَامُهُ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، وَهُوَ الْكَفِيلُ بِإِيضَاحِ الْحَقِّ مَعَ غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَلَامِ مَنْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَاسْتَوْلَى كَلَامُهُ عَلَى الْأَقْصَى مِنَ الْبَيَانِ؟ .
كَلَّا، بَلْ هِيَ وَاللَّهِ فِتْنَةٌ أَعْمَتِ الْقُلُوبَ عَنْ مَوَاقِعِ رُشْدِهَا، وَحَيَّرَتِ الْعُقُولَ عَنْ طَرَائِقِ قَصْدِهَا، يُرَبَّى فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ.
وَظَنَّتْ خَفَافِيشُ الْبَصَائِرِ أَنَّهَا الْغَايَةُ الَّتِي يَتَسَابَقُ إِلَيْهَا الْمُتَسَابِقُونَ، وَالنِّهَايَةُ الَّتِي تَنَافَسَ فِيهَا الْمُنَافِسُونَ، وَتَزَاحَمُوا عَلَيْهَا، وَهَيْهَاتَ، أَيْنَ السُّهَى مِنْ شَمْسِ الضُّحَى؟ وَأَيْنَ الثَّرَى مِنْ كَوَاكِبِ الْجَوْزَاءِ؟ وَأَيْنَ الْكَلَامُ الَّذِي لَمْ تُضْمَنْ لَنَا عِصْمَةُ قَائِلِهِ بِدَلِيلٍ مَعْلُومٍ، مِنَ النَّقْلِ الْمُصَدَّقِ عَنِ الْقَائِلِ الْمَعْصُومِ؟ وَأَيْنَ الْأَقْوَالُ الَّتِي أَعَلَا دَرَجَاتِهَا أَنْ تَكُونَ سَائِغَةَ الِاتِّبَاعِ، مِنَ النُّصُوصِ الْوَاجِبِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ تَقْدِيمُهَا وَتَحْكِيمُهَا وَالتَّحَاكُمُ إِلَيْهَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ؟ وَأَيْنَ الْآرَاءُ الَّتِي نَهَى قَائِلُهَا عَنْ تَقْلِيدِهِ فِيهَا وَحَذَّرَ، مِنَ النُّصُوصِ الَّتِي فَرَضَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَهْتَدِيَ بِهَا وَيَتَبَصَّرَ؟ وَأَيْنَ الْمَذَاهِبُ الَّتِي إِذَا مَاتَ أَرْبَابُهَا فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَاتِ، مِنَ النُّصُوصِ الَّتِي لَا تَزُولُ إِذَا زَالَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ؟
سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا حُرِمَ الْمُعْرِضُونَ عَنْ نُصُوصِ الْوَحْيِ، وَاقْتِبَاسِ الْعِلْمِ مِنْ مِشْكَاتِهِ مِنْ كُنُوزِ الذَّخَائِرِ؟ ! وَمَاذَا فَاتَهُمْ مِنْ حَيَاةِ الْقُلُوبِ وَاسْتِنَارَةِ الْبَصَائِرِ؟ قَنَعُوا بِأَقْوَالٍ اسْتَنْبَطَتْهَا مَعَاوِلُ الْآرَاءِ فِكْرًا، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ لِأَجْلِهَا زُبُرًا، وَأَوْحَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا، فَاتَّخَذُوا لِأَجْلِ ذَلِكَ الْقُرْآنَ مَهْجُورًا.
دَرَسَتْ مَعَالِمُ الْقُرْآنِ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَيْسُوا يَعْرِفُونَهَا، وَدُثِرَتْ مَعَاهِدُهُ عِنْدَهُمْ فَلَيْسُوا يَعْمُرُونَهَا، وَوَقَعَتْ أَلْوِيَتُهُ وَأَعْلَامُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَلَيْسُوا يَرْفَعُونَهَا، وَأَفَلَتْ كَوَاكِبُهُ النَّيِّرَةُ مِنْ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 28
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست