responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 282
التَّمْيِيزِ جُمْلَةً، وَالسُّكْرِ وَالطَّمْسِ الْمُنَافِي لِلْعُبُودِيَّةِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْعُبُودِيَّةِ.
فَتَأَمَّلِ الْآنَ تَفَاصِيلَ عُبُودِيَّةِ الصَّلَاةِ، كَيْفَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِشُهُودِ فِعْلِكَ الَّذِي مَتَى غِبْتَ عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي الْعُبُودِيَّةِ.
فَإِذَا قَالَ الْمُصَلِّي: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، فَعُبُودِيَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَشْهَدَ وَجْهَهُ، وَهُوَ قَصْدُهُ وَإِرَادَتُهُ، وَأَنْ يَشْهَدَ حَقِيقَتَهُ، وَهِيَ إِقْبَالُهُ عَلَى اللَّهِ.
ثُمَّ إِذَا قَالَ: إِنَّ صِلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَعُبُودِيَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَشْهَدَ الصَّلَاةَ وَالنُّسُكَ الْمُضَافَيْنِ إِلَيْهِ لِلَّهِ، وَلَوْ غَابَ عَنْهُمَا كَانَ قَدْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ بِلِسَانِهِ مَا هُوَ غَائِبٌ عَنِ اسْتِحْضَارِهِ بِقَلْبِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا أَكْمَلَ وَأَعْلَى مِنْ حَالِ مَنِ اسْتَحْضَرَ فِعْلَهُ وَعُبُودِيَّتَهُ، وَأَضَافَهُمَا إِلَى اللَّهِ، وَشَهِدَ مَعَ ذَلِكَ كَوْنَهُمَا بِهِ؟ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ حَالِ الْمُسْتَغْرِقِ الْفَانِي الْمُصْطَلِمِ، الَّذِي قَدْ غَابَ بِمَعْبُودِهِ عَنْ حَقِّهِ، وَقَدْ أُخِذَ مِنْهُ وَغُيِّبَ عَنْهُ؟ .
نَعَمْ غَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا، أَمَّا أَنْ يَكُونَ مَقَامُهُ أَعْلَى مَقَامٍ وَأَجَلَّهُ فَكَلَّا.
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ فِي قِرَاءَتِهِ " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " فَعُبُودِيَّةُ هَذَا الْقَوْلِ فَهْمُ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ، وَاسْتِحْضَارُهُمَا، وَتَخْصِيصُهُمَا بِاللَّهِ، وَنَفْيُهُمَا عَنْ غَيْرِهِ، فَهَذَا أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ فِي رُكُوعِهِ: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسَلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي، وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي فَكَيْفَ يُؤَدِّي عُبُودِيَّةَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ غَائِبٌ عَنْ فِعْلِهِ، مُسْتَغْرِقٌ فِي فَنَائِهِ؟ وَهَلْ يَبْقَى غَيْرُ أَصْوَاتٍ جَارِيَةٍ عَلَى لِسَانِهِ؟ وَلَوْلَا الْعُذْرُ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ عُبُودِيَّةً.
نَعَمْ، رُؤْيَةُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَهَا، وَالِاحْتِجَابُ بِهَا عَنِ الْمُنْعِمِ بِهَا الْمُوَفِّقِ لَهَا، الْمَانِّ بِهَا مِنْ أَعْظَمِ الْعِلَلِ الْقَوَاطِعِ، قَالَ تَعَالَى {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17] فَالْعَارِفُ غَائِبٌ بِمِنَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي طَاعَتِهِ، مَعَ شُهُودِهَا وَرُؤْيَتِهَا، وَالْجَاهِلُ غَائِبٌ بِهَا عَنْ رُؤْيَةِ مِنَّةِ اللَّهِ، وَالْفَانِي غَائِبٌ بِاسْتِغْرَاقِهِ فِي الْفَنَاءِ وَشُهُودِ الْقَيُّومِيَّةِ عَنْ شُهُودِهَا، وَهُوَ نَاقِصٌ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدَرًا.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 282
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست