responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 303
فَإِنْ كَانَ هَذَا السَّائِرُ كَيِّسًا فَطِنًا لَبِيبًا، حَاضِرَ الذِّهْنِ وَالْعَقْلِ، اسْتَقْبَلَ سَيْرَهُ اسْتِقْبَالًا آخَرَ، أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ وَأَتَمَّ، وَاشْتَدَّ حَذَرُهُ، وَتَأَهَّبَ لِهَذَا الْعَدُوِّ، وَأَعَدَّ لَهُ عُدَّتَهُ، فَكَانَ سَيْرُهُ الثَّانِي أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ، وَخَيْرًا مِنْهُ، وَوُصُولُهُ إِلَى الْمَنْزِلِ أَسْرَعَ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ عَدُوِّهِ وَعَادَ إِلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأَوَّلِ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا قُوَّةِ حَذَرٍ وَلَا اسْتِعْدَادٍ، عَادَ كَمَا كَانَ، وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِمَا عُرِّضَ لَهُ أَوْلًا.
وَإِنْ أَوْرَثَهُ ذَلِكَ تَوَانِيًا فِي سَيْرِهِ وَفُتُورًا، وَتَذَكُّرًا لِطَيِّبِ مَقِيلِهِ، وَحُسْنِ ذَلِكَ الرَّوْضِ وَعُذُوبَةِ مَائِهِ، وَتَفَيُّؤِ ظِلَالِهِ، وَسُكُونًا بِقَلْبِهِ إِلَيْهِ لَمْ يَعُدْ إِلَى مِثْلِ سَيْرِهِ وَنَقَصَ عَمَّا كَانَ.
الْمَثَلُ الثَّانِي: عَبْدٌ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةِ جِسْمٍ، عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ أَوْجَبَ لَهُ حِمْيَةً وَشُرْبَ دَوَاءٍ وَتَحَفُّظًا مِنَ التَّخْلِيطِ، وَنَقَصَ بِذَلِكَ مَادَّةً رِدْيَةً كَانَتْ مُنَقِّصَةً لِكَمَالِ قُوَّتِهِ وَصِحَّتِهِ، فَعَادَ بَعْدَ الْمَرَضِ أَقْوَى مِمَّا كَانَ قَبْلَهُ، كَمَا قِيلَ:
لَعَلَّ عَتْبَكَ مَحْمُودٌ عَوَاقِبُهُ ... وَرُبَّمَا صَحَّتِ الْأَجْسَامُ بِالْعِلَلِ
وَإِنْ أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ الْمَرَضُ ضَعْفًا فِي الْقُوَّةِ، وَتَدَارَكَهُ بِمِثْلِ مَا نَقَصَ مِنْ قُوَّتِهِ، عَادَ إِلَى مِثْلِ مَا كَانَ.
وَإِنْ تَدَارَكَهُ بِدُونِ مَا نَقَصَ مِنْ قُوَّتِهِ، عَادَ إِلَى دُونِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُوَّةِ.
وَفِي هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ كِفَايَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُمَا.
وَقَدْ ضُرِبَ لِذَلِكَ مَثَلٌ آخَرُ بِرَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، لَا يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ فِي طَرِيقِهِ، فَعَرَضَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ جَبَذَ ثَوْبَهُ وَأَوْقَفَهُ قَلِيلًا، يُرِيدُ تَعْوِيقَهُ عَنِ الصَّلَاةِ، فَلَهُ مَعَهُ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِ حَتَّى تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ، فَهَذِهِ حَالُ غَيْرِ التَّائِبِ.
الثَّانِي: أَنْ يُجَاذِبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَتَفَلَّتَ مِنْهُ، لِئَلَّا تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ.
ثُمَّ لَهُ بَعْدَ هَذَا التَّفَلُّتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ سَيْرُهُ جَمْزًا وَوَثْبًا، لِيَسْتَدْرِكَ مَا فَاتَهُ بِتِلْكَ الْوَقْفَةِ، فَرُبَّمَا اسْتَدْرَكَهُ وَزَادَ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَعُودَ إِلَى مِثْلِ سَيْرِهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ تُورِثَهُ تِلْكَ الْوَقْفَةُ فُتُورًا وَتَهَاوُنًا، فَيَفُوتَهُ فَضِيلَةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، أَوْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَأَوَّلِ الْوَقْتِ، فَهَكَذَا حَالُ التَّائِبِينَ السَّائِرِينَ سَوَاءً.

فَصْلٌ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 303
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست