responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 307
وَتَأَمَّلْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ «أَنَّهُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا لَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ» فَقَالَ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ " لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ " وَقَالَ فِي الْإِطْعَامِ، وَالْإِسْقَاءِ " لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي " فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْمَرِيضَ مَكْسُورُ الْقَلْبِ وَلَوْ كَانَ مَنْ كَانَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكْسِرَهُ الْمَرَضُ فَإِذَا كَانَ مُؤْمِنًا قَدِ انْكَسَرَ قَلْبُهُ بِالْمَرَضِ كَانَ اللَّهُ عِنْدَهُ.
وَهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - هُوَ السِّرُّ فِي اسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ الثَّلَاثَةِ: الْمَظْلُومِ، وَالْمُسَافِرِ، وَالصَّائِمِ، لِلْكَسْرَةِ الَّتِي فِي قَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ غُرْبَةَ الْمُسَافِرِ وَكَسْرَتَهُ مِمَّا يَجِدُهُ الْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ، فَإِنَّهُ يَكْسِرُ سُورَةَ النَّفْسِ السَّبْعِيَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَيُذِلُّهَا.
وَالْقَصْدُ: أَنَّ شَمْعَةَ الْجَبْرِ وَالْفَضْلِ وَالْعَطَايَا، إِنَّمَا تَنْزِلُ فِي شَمْعِدَانِ الِانْكِسَارِ، وَلِلْعَاصِي التَّائِبِ مِنْ ذَلِكَ أَوْفَرُ نَصِيبٍ، يُوَضِّحُهُ:
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الذَّنْبَ قَدْ يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ التَّوْبَةُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ السَّلَفِ: قَدْ يَعْمَلُ الْعَبْدُ الذَّنْبَ فَيَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَيَعْمَلُ الطَّاعَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ، قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يَعْمَلُ الذَّنْبَ فَلَا يَزَالُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، إِنْ قَامَ وَإِنْ قَعَدَ وَإِنْ مَشَى ذَكَرَ ذَنْبَهُ، فَيُحْدِثُ لَهُ انْكِسَارًا، وَتَوْبَةً، وَاسْتِغْفَارًا، وَنَدَمًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ نَجَاتِهِ، وَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ، فَلَا تَزَالُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، إِنْ قَامَ وَإِنْ قَعَدَ وَإِنْ مَشَى، كُلَّمَا ذَكَرَهَا أَوْرَثَتْهُ عُجْبًا وَكِبْرًا وَمِنَّةً، فَتَكُونُ سَبَبَ هَلَاكِهِ، فَيَكُونُ الذَّنْبُ مُوجِبًا لِتَرَتُّبِ طَاعَاتٍ وَحَسَنَاتٍ، وَمُعَامَلَاتٍ قَلْبِيَّةٍ، مِنْ خَوْفِ اللَّهِ وَالْحَيَاءِ مِنْهُ، وَالْإِطْرَاقِ بَيْنَ يَدَيْهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ خَجَلًا، بَاكِيًا نَادِمًا، مُسْتَقِيلًا رَبَّهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ أَنْفَعُ لِلْعَبْدِ مِنْ طَاعَةٍ تُوجِبُ لَهُ صَوْلَةً، وَكِبْرًا، وَازْدِرَاءً بِالنَّاسِ، وَرُؤْيَتَهُمْ بِعَيْنِ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 307
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست