responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 375
فَالْإِثْمُ مَا كَانَ مُحَرَّمَ الْجِنْسِ كَالْكَذِبِ، وَالزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْعُدْوَانُ مَا كَانَ مُحَرَّمَ الْقَدْرِ وَالزِّيَادَةِ.
فَالْعُدْوَانُ: تَعَدِّي مَا أُبِيحَ مِنْهُ إِلَى الْقَدْرِ الْمُحَرَّمِ وَالزِّيَادَةِ، كَالِاعْتِدَاءِ فِي أَخْذِ الْحَقِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، إِمَّا بِأَنْ يَتَعَدَّى عَلَى مَالِهِ، أَوْ بَدَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ، فَإِذَا غَصَبَهُ خَشَبَةً لَمْ يَرْضَ عِوَضَهَا إِلَّا دَارَهُ، وَإِذَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ شَيْئًا أَتْلَفَ عَلَيْهِ أَضْعَافَهُ، وَإِذَا قَالَ فِيهِ كَلِمَةً قَالَ فِيهِ أَضْعَافَهَا، فَهَذَا كُلُّهُ عُدْوَانٌ وَتَعَدٍّ لِلْعَدْلِ.
وَهَذَا الْعُدْوَانُ نَوْعَانِ: عُدْوَانٌ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَعُدْوَانٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، فَالْعُدْوَانُ فِي حَقِّ اللَّهِ كَمَا إِذَا تَعَدَّى مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْوَطْءِ الْحَلَالِ فِي الْأَزْوَاجِ وَالْمَمْلُوكَاتِ إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ مِنْ سِوَاهُمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5] وَكَذَلِكَ تَعَدَّى مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ، فَتَعَدَّاهُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، فَهُوَ مِنَ الْعُدْوَانِ، كَمَنْ أُبِيحَ لَهُ إِسَاغَةُ الْغُصَّةِ بِجُرْعَةٍ مِنْ خَمْرٍ، فَتَنَاوَلَ الْكَأْسَ كُلَّهَا، أَوْ أُبِيحَ لَهُ نَظْرَةُ الْخِطْبَةِ، وَالسَّوْمُ، وَالشَّهَادَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ، وَالْمُدَاوَاةُ، فَأَطْلَقَ عِنَانَ طَرْفِهِ فِي مَيَادِينِ مَحَاسِنِ الْمَنْظُورِ، وَأَسَامَ طَرْفَ نَاظِرِهِ فِي تِلْكَ الرِّيَاضِ وَالزُّهُورِ، فَتَعَدَّى الْمُبَاحَ إِلَى الْقَدْرِ الْمَحْظُورِ، وَحَامَ حَوْلَ الْحِمَى الْمَحُوطِ الْمَحْجُورِ، فَصَارَ ذَا بَصَرٍ حَائِرٍ، وَقَلْبٍ عَنْ مَكَانِهِ طَائِرٍ، أَرْسَلَ طَرْفَهُ رَائِدًا يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ فَخَامَرَ عَلَيْهِ، وَأَقَامَ فِي تِلْكَ الْخِيَامِ، فَبَعَثَ الْقَلْبَ فِي آثَارِهِ، فَلَمْ يَشْعُرْ إِلَّا وَهُوَ أَسِيرٌ يَحْجِلُ فِي قُيُودِهِ بَيْنَ تِلْكَ الْخِيَامِ، فَمَا أَقْلَعَتْ لَحْظَاتُ نَاظِرِهِ حَتَّى تَشَحَّطَ بَيْنَهُنَّ قَتِيلًا، وَمَا بَرِحَتْ تَنُوشُهُ سُيُوفُ تِلْكَ الْجُفُونِ حَتَّى جَنْدَلَتْهُ تَجْدِيلًا، هَذَا خَطَرُ الْعُدْوَانِ، وَمَا أَمَامَهُ أَعْظَمُ وَأَخْطَرُ، وَهَذَا فَوْتُ الْحِرْمَانِ، وَمَا حُرِمَهُ مِنْ فَوَاتِ ثَوَابِ مَنْ غَضَّ طَرْفَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَجَلُّ وَأَكْبَرُ، سَافَرَ الطَّرْفُ فِي مَفَاوِزِ مَحَاسِنِ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَرْبَحْ إِلَّا أَذَى السَّفَرِ، وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي رُكُوبِ تِلْكَ الْبَيْدَاءِ، وَمَا عَرَفَ أَنَّ رَاكِبَهَا عَلَى أَعْظَمِ الْخَطَرِ؟ ! يَا لَهَا مِنْ سَفْرَةٍ لَمْ يَبْلُغِ الْمُسَافِرُ مِنْهَا مَا نَوَاهُ، وَلَمْ يَضَعْ فِيهَا عَنْ عَاتِقِهِ عَصَاهُ، حَتَّى قَطَعَ عَلَيْهِ فِيهَا الطَّرِيقَ، وَقَعَدَ لَهُ فِيهَا الرَّصَدُ عَلَى كُلِّ نَقَبٍ وَمَضِيقٍ، لَا يَسْتَطِيعُ الرُّجُوعَ إِلَى وَطَنِهِ وَالْإِيَابَ، وَلَا لَهُ سَبِيلٌ إِلَى الْمُرُورِ وَالذَّهَابِ، يَرَى هَجِيرَ الْهَاجِرَةِ مِنْ بَعِيدٍ، فَيَظُنُّهُ بَرْدَ الشَّرَابِ {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39] وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا بِلَامِعِ السَّرَابِ، تَاللَّهِ مَا اسْتَوَتْ هَذِهِ الذِّلَّةُ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 375
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست