responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 447
وَمَنْ عَلِمَ عُبُودِيَّاتِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالدُّعَاءَ بِهَا، وَسِرَّ ارْتِبَاطِهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَبِمَطَالِبِ الْعَبْدِ وَحَاجَاتِهِ عَرَفَ ذَلِكَ وَتَحَقَّقَهُ، فَإِنَّ كُلَّ مَطْلُوبٍ يُسْأَلُ بِالْمُنَاسِبِ لَهُ، فَتَأَمَّلْ أَدْعِيَةَ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ تَجِدْهَا كَذَلِكَ.
وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْأَيَّامِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَيَّامَهُ الَّتِي تَخُصُّهُ، وَمَا يَلْحَقُهُ فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَيَعْلَمُ قِصَرَهَا، وَأَنَّهَا أَنْفَاسٌ مَعْدُودَةٌ مُنْصَرِمَةٌ، كُلُّ نَفَسٍ مِنْهَا يُقَابِلُهُ آلَافُ آلَافٍ مِنَ السِّنِينَ فِي دَارِ الْبَقَاءِ، فَلَيْسَ لِهَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ قَطُّ نِسْبَةٌ إِلَى أَيَّامِ الْبَقَاءِ، وَالْعَبْدُ مُنْسَاقٌ زَمَنَهُ، وَفِي مُدَّةِ الْعُمُرِ إِلَى النَّعِيمِ أَوْ إِلَى الْجَحِيمِ، وَهِيَ كَمُدَّةِ الْمَنَامِ لِمَنْ لَهُ عَقْلٌ حَيٌّ وَقَلْبٌ وَاعٍ، فَمَا أَوْلَاهُ أَنْ لَا يَصْرِفَ مِنْهَا نَفْسًا إِلَّا فِي أَحَبِّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ، فَلَوْ صَرَفَهُ فِيمَا يُحِبُّهُ وَتَرَكَ الْأَحَبَّ لَكَانَ مُفَرِّطًا، فَكَيْفَ إِذَا صَرَفَهُ فِيمَا لَا يَنْفَعُهُ؟ فَكَيْفَ إِذَا صَرَفَهُ فِيمَا يَمْقُتُهُ عَلَيْهِ رَبُّهُ؟ فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَيَّامِ أَيَّامَ اللَّهِ الَّتِي أَمَرَ رُسُلَهُ بِتَذْكِيرِ أُمَمِهِمْ بِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5] وَقَدْ فُسِّرَتْ أَيَّامُ اللَّهِ بِنِعَمِهِ، وَفُسِّرَتْ بِنِقَمِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، فَالْأَوَّلُ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُجَاهِدٍ، وَالثَّانِي تَفْسِيرُ مُقَاتِلٍ.
وَالصَّوَابُ أَنَّ أَيَّامَهُ تَعُمُّ النَّوْعَيْنِ، وَهِيَ وَقَائِعُهُ الَّتِي أَوْقَعَهَا بِأَعْدَائِهِ، وَنِعَمُهُ الَّتِي سَاقَهَا إِلَى أَوْلِيَائِهِ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ النِّعَمُ وَالنِّقَمُ الْكِبَارُ الْمُتَحَدَّثُ بِهَا أَيَّامًا لِأَنَّهَا ظَرْفٌ لَهَا، تَقُولُ الْعَرَبُ: فُلَانٌ عَالِمٌ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، أَيْ بِالْوَقَائِعِ الَّتِي كَانَتْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، فَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْأَيَّامِ تُوجِبُ لِلْعَبْدِ اسْتِبْصَارَ الْعِبَرِ، وَبِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِ بِهَا تَكُونُ عِبْرَتُهُ وَعَظَمَتُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111] .
وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْأَغْرَاضِ، وَهِيَ مُتَابَعَةُ الْهَوَى وَالِانْقِيَادُ لِدَاعِي النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَطْمِسُ نُورَ الْعَقْلِ، وَيُعْمِي بَصِيرَةَ الْقَلْبِ، وَيَصُدُّ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَيُضِلُّ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، فَلَا تَحْصُلُ بَصِيرَةُ الْعِبْرَةِ مَعَهُ الْبَتَّةَ، وَالْعَبْدُ إِذَا اتَّبَعَ هَوَاهُ فَسَدَ رَأْيُهُ وَنَظَرُهُ، فَأَرَتْهُ نَفْسُهُ الْحَسَنَ فِي صُورَةِ الْقَبِيحِ، وَالْقَبِيحَ فِي

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 447
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست