responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 489
مُتَعَلَّقَ بِهِ، فَإِنَّ جِهَةَ كَوْنِ الشَّيْءِ مُسْتَلَذًا لِلْحَاسَّةِ مُلَائِمًا لَهَا، لَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ وَلَا تَحْرِيمِهِ، وَلَا كَرَاهَتِهِ وَلَا اسْتِحْبَابِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ اللَّذَّةَ تَكُونُ فِيمَا فِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ تَكُونُ فِي الْحَرَامِ، وَالْوَاجِبِ، وَالْمَكْرُوهِ، وَالْمُسْتَحَبِّ، وَالْمُبَاحِ، فَكَيْفَ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ مَنْ يَعْرِفُ شُرُوطَ الدَّلِيلِ، وَمَوَاقِعَ الِاسْتِدْلَالِ؟ .
وَهَلْ هَذَا إِلَّا بِمَنْزِلَةِ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ الزِّنَا بِمَا يَجِدُهُ فَاعِلُهُ مِنَ اللَّذَّةِ، وَأَنَّ لَذَّتَهُ لَا يُنْكِرُهَا مَنْ لَهُ طَبْعٌ سَلِيمٌ، وَهَلْ يَسْتَدِلُّ بِوُجُودِ اللَّذَّةِ وَالْمُلَاءَمَةِ عَلَى حِلِّ اللَّذِيذِ الْمُلَائِمِ أَحَدٌ؟ وَهَلْ خَلَتَ غَالِبُ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ اللَّذَّاتِ؟ وَهَلْ أَصْوَاتُ الْمَعَازِفِ الَّتِي صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمُهَا، وَأَنَّ فِي أُمَّتِهِ مَنْ سَيَسْتَحِلُّهَا بِأَصَحِّ إِسْنَادٍ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ بَعْضِهَا، وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ بِتَحْرِيمِ جُمْلَتِهَا إِلَّا لَذِيذَةً تُلِذُّ السَّمْعَ؟ وَهَلْ فِي الْتِذَاذِ الْجَمَلِ وَالطِّفْلِ بِالصَّوْتِ الطَّيِّبِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ إِبَاحَةٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ؟ .
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا: الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الصَّوْتَ الطَّيِّبَ، وَهُوَ زِيَادَةُ نِعْمَةٍ مِنْهُ لِصَاحِبِهِ.
فَيُقَالُ: وَالصُّورَةُ الْحَسَنَةُ الْجَمِيلَةُ، أَلَيْسَتْ زِيَادَةً فِي النِّعْمَةِ، وَاللَّهُ خَالِقُهَا. وَمُعْطِي حُسْنِهَا؟ أَفَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَةِ التَّمَتُّعِ بِهَا، وَالِالْتِذَاذِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِهَا؟
وَهَلْ هَذَا إِلَّا مَذْهَبُ أَهْلِ الْإِبَاحَةِ الْجَارِينَ مَعَ رُسُومِ الطَّبِيعَةِ؟ .
وَهَلْ فِي ذَمِّ اللَّهِ لِصَوْتِ الْحِمَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْأَصْوَاتِ الْمُطْرِبَاتِ بِالنَّغَمَاتِ الْمَوْزُونَاتِ، وَالْأَلْحَانِ اللَّذِيذَاتِ، مِنَ الصُّوَرِ الْمُسْتَحْسَنَاتِ، بِأَنْوَاعِ الْقَصَائِدِ الْمُنَغَّمَاتِ بِالدُّفُوفِ وَالشَّبَّابَاتِ؟ ! .
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا: الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِسَمَاعِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَا أَجْدَرَ صَاحِبَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى إِبَاحَةِ الْخَمْرِ بِأَنَّ فِي الْجَنَّةِ خَمْرًا، وَعَلَى حِلِّ لِبَاسِ الْحَرِيرِ بِأَنَّ لِبَاسَ أَهْلِهَا حَرِيرٌ، وَعَلَى حِلِّ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالتَّحَلِّي بِهِمَا لِلرِّجَالِ بِكَوْنِ ذَلِكَ ثَابِتًا بِوُجُودِ النَّعِيمِ بِهِ فِي الْجَنَّةِ.
فَإِنْ قَالَ: قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا، وَلَمْ يَقُمْ عَلَى تَحْرِيمِ السَّمَاعِ.
قِيلَ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ آخَرُ غَيْرُ الِاسْتِدْلَالِ بِإِبَاحَتِهِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ اسْتِدْلَالَكُمْ بِإِبَاحَتِهِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتِدْلَالٌ بَاطِلٌ، لَا يَرْضَى بِهِ مُحَصِّلٌ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 489
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست