نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 269
وأما دخول مكة فليتذكر عندها أنه قد انتهى إلى حرم الله تعالى آمناً وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله عز وجل وليخش أن لا يكون أهلاً للقرب فيكون بدخوله الحرم خائباً ومستحقاً للمقت وليكن رجاؤه في جميع الأوقات غالباً فالكرم عميم والرب رحيم وشرف البيت عظيم وحق الزائر مرعي وذمام المستجير اللائذ غير مضيع
وأما وقوع البصر على البيت فينبغي أن يحضر عنده عظمة البيت في القلب ويقدر كأنه مشاهد لرب البيت لشدة تعظيمه إياه وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بيته العظيم واشكر الله تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة وإلحاقه إياك بزمرة الوافدين عليه واذكر عند ذلك انصباب الناس في القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة ثم انقسامهم إلى مأذونين في الدخول ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ومردودين ولا تغفل عن تذكر أمور الآخرة في شيء مما تراه فإن كل أحوال الحاج دليل على أحوال الآخرة
وأما الطواف بالبيت فاعلم أنه صلاة فأحضر في قلبك فيه من التعظيم والخوف والرجاء والمحبة ما فصلناه في كتاب الصلاة واعلم أنك بالطواف متشبه بِالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ الْحَافِّينَ حَوْلَ الْعَرْشِ الطَّائِفِينَ حَوْلَهُ ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البيت حتى لا تبتدىء الذكر إلا منه ولا تختم إلا به كما تبتدىء الطواف من البيت وتختم بالبيت
واعلم أن الطواف الشريف هو طواف القلب بحضرة الربوبية وأن البيت مثال ظاهر في عالم الملك لتلك الحضرة التي لا تشاهد بالبصر وهي عالم الملكوت كما أن البدن مثال ظاهر في عالم الشهادة للقلب الذي لا يشاهد بالبصر وهو في عالم الغيب
وأن عالم الملك والشهادة مدركة إلى عالم الغيب والملكوت لمن فتح الله له الباب وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة بأن البيت المعمور في السموات بإزاء الكعبة فإن طواف الملائكة به كطواف الأنس بهذا البيت ولما قصرت رتبة أكثر الخلق عن مثل ذلك الطواف أمروا بالتشبه بهم بحسب الإمكان ووعدوا بأن من تشبه بقوم فهو منهم [1] والذي يقدر على مثل ذلك الطواف هو الذي يقال إن الكعبة تزوره وتطوف به على ما رآه بعض المكاشفين لبعض أولياء الله سبحانه وتعالى
وأما الاستلام فاعتقد عنده أنك مبايع لله عز وجل على طاعته فصمم عزيمتك على الوفاء ببيعتك فمن غدر في المبايعة استحق المقت وقد روى ابن عباس رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال الحجر الأسود يمين الله عز وجل في الأرض يصافح بها خلقه كما يصافح الرجل أخاه (2)
وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم فلتكن نيتك في الالتزام طَلَبُ الْقُرْبِ حُبًّا وَشَوْقًا لِلْبَيْتِ وَلِرَبِّ الْبَيْتِ وتبركاً بالمماسة ورجاء للتحصن عن النار في كل جزء من بدنك لا في البيت ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح فِي طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَسُؤَالِ الْأَمَانِ كَالْمُذْنِبِ الْمُتَعَلِّقِ بِثِيَابِ مَنْ أَذْنَبَ إِلَيْهِ الْمُتَضَرِّعِ إِلَيْهِ فِي عَفْوِهِ عَنْهُ الْمُظْهِرِ لَهُ أَنَّهُ لَا مَلْجَأَ له منه إلا إليه ولا مفزع له إلا كرمه وعفوه وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل
وأما السعي بين الصفا والمروة في فناء البيت فإنه يضاهي تردد العبد بفناء دار الملك جائياً وذاهباً مرة بعد أخرى [1] حديث من تشبه بقوم فهو منهم أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر بسند صحيح
(2) حديث ابن عباس الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه الحديث تقدم في العلم من حديث عبد الله بن عمرو
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 269