أصبحت أوقاف المسلمين تتحول من الوقف إلى الملك الخاص في كل مجموعة من السنين [161] .
وهكذا ضاعت مقاصد الشرع بضياع تقوى الله، وأهملت قواعده الكلية، حتى بلغ الأمر بسفهاء الشعراء وغواتهم ومجانهم حد التندر بأحكام الله كأن يقول أبو نواس:
أبا العراقي النبيذ وشربه ... وقال حرامان المدامة والسكر
وقال الحجازي الشرابان واحد ... فحلت لنا من بين قوليهما الخمر
سآخذ من قوليهما طرفيهما ... أشربها لافارق الوازر الوزر
لقد هان الرجال الذين يحمون بيضة الدين، فهان على الناس دينهم حتى غدا تجاوز الحدود أمرا يقبل عليه الناس بحجة التيسير، فصار ذلك شأن بعض المفتين من الذين هدموا جدار الهيبة وأباحوا لأنفسهم الإفتاء بما يستجيب لهوى النفوس، قابلهم فريق تصلب وتشدد، وحاول أن يبحث عن أغلظ الأقوال واشدها ليفتي من يستفتيه، ظنا منه أنه في هذا يخدم الإسلام، ويرد الناس إلى الأخذ بعزائمه، ولكن الأمر ليس كذلك، النتيجة لم تكن دائما كما توقعوا إذ كثيرا ما يحدث العكس فتنفر العامة من الشرع، وتأبى الانقياد له، وترى فيه العسر بدل اليسر، كما في قصة الملك الأندلسي الذي سأل المفتي المالكي يحيى بن يحيى [162] عما يجب عليه أن يفعله كفارة لوقاعه في نهار رمضان، فأجابه [161] الارتسامات اللطاف: شكيب أرسلان. [162] يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي، راوي الموطأ عن مالك، وناشر مذهبه في المغرب، توفي سنة (234 هـ) . انظر البداية (10/312) .