علماء المدينة من التابعين يرون أن السنن والآثار التي بين أيديهم كافية لتلبية الحاجة الفقهية، وأنه لا شيء يدعهم إلى الأخذ بالرأي بكل ضروبه، على حين كان يرى بعضهم خلاف ذلك، ويأخذ بالرأي حتى عرف به وحمله لقبا، مثل: ربيعة بن أبي عبد الرحمن، شيح مالك الذي لقب بـ «ربيعة الرأي» ولكن الكثرة الغالبة كانت لعلماء السنن والأثار.
أما العراقيون كإبراهيم النخعي [75] وأصحابه فكانوا يرون أن نصيبهم من السنن ليس بقليل، فقد اش بينهم منا لصحابة عدد وافر جاوز الثلاثمائة، وكان كثير منهم من الفقهاء وفي مقدمتهم عبد الله بن مسعود الذي كان من أفقه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله، كما كان بينهم علي رضي الله عنه مدة خلافته، وأبو موسى الأشعري وعمار وغيرهم.
وكان إبراهيم النخعي ومعه معظم علماء العراق يرون أن أحكام الشرع معقولة المعنى، مشتملة على ما فيه مصالح العباد، وأنها بنيت على أصول محكمة، وعلل ضابطة لتلك المصالح والحكماء، تفهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الأحكام الفرعية شرعت من أجل تلك العلل، وأن الفقيه هو ذلك الذي يبحث عن علل الأحكام التي [75] إبراهيم النخعي: هو إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي المكنى بابي عمران، رأس مدرسة الرأي، وهو وارث فقه ابن مسعد، توفي سنة (96هـ) كان ممن جمع بين الفقه والحديث، فهو ثقة حجة باتفاق، قال الشعبي حين بلغه موته: ما ترك إبراهيم بعده مثله، له ترجمة في طبقات ابن سعد (6/71) وصفة الصفوة (3/86) والتذكرة (1/73) والحلية (4/217) وتهذيب التهذيب (1/87) .