responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 103
التَّمَامِ، وَاقْتِصَارًا عَلَى مَا سَنَحَ، وَقِلَّةَ اكْتِرَاثٍ فِيمَا بَقِيَ. فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَا أَخَلَّ بِهِ وَقَصَّرَ فِيهِ غَيْرَ قَادِحٍ فِي فَرْضٍ، وَلَا مَانِعٍ مِنْ عِبَادَةٍ، كَمَنْ اقْتَصَرَ فِي الْعِبَادَةِ عَلَى فِعْلِ وَاجِبَاتِهَا، وَعَمَلِ مُفْتَرَضَاتِهَا، وَأَخَلَّ بِمَسْنُونَاتِهَا وَهَيْئَاتِهَا. فَهَذَا مُسِيءٌ فِيمَا تَرَكَ إسَاءَةَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ وَعِيدًا وَلَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْوَاجِبِ يُسْقِطُ عَنْهُ الْعِقَابَ، وَإِخْلَالَهُ بِالْمَسْنُونِ يَمْنَعُ مِنْ إكْمَالِ الثَّوَابِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ تَهَاوَنَ بِالدِّينِ هَانَ، وَمَنْ غَالَبَ الْحَقَّ لَانَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَيَصُونُ تَوْبَتَهُ وَيَتْرُكُ ... غَيْرَ ذَلِكَ لَا يَصُونُهْ
وَأَحَقُّ مَا صَانَ الْفَتَى ... وَرَعَى أَمَانَتُهُ وَدِينُهْ
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا أَخَلَّ بِهِ مِنْ مَفْرُوضِ عِبَادَتِهِ، لَكِنْ لَا يَقْدَحُ تَرْكُ مَا بَقِيَ فِيمَا مَضَى كَمَنْ أَكْمَلَ عِبَادَاتٍ وَأَخَلَّ بِغَيْرِهَا. فَهَذَا أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ لِمَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ الْوَعِيدِ وَاسْتَوْجَبَهُ مِنْ الْعِقَابِ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَا أَخَلَّ بِهِ مِنْ مَفْرُوضِ عِبَادَتِهِ وَهُوَ قَادِحٌ فِيمَا عَمِلَ مِنْهَا كَالْعِبَادَةِ الَّتِي يَرْتَبِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَيَكُونُ الْمُقَصِّرُ فِي بَعْضِهَا تَارِكًا لِجَمِيعِهَا فَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ مَا عَمِلَ لِإِخْلَالِهِ بِمَا بَقِيَ. فَهَذَا أَسْوَأُ أَحْوَالِ الْمُقَصِّرِينَ وَحَالُهُ لَاحِقَةٌ بِأَحْوَالِ التَّارِكِينَ، بَلْ قَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا يُسْقِطُ فَرْضًا وَلَا يُؤَدِّي حَقًّا.
فَقَدْ سَاوَى التَّارِكِينَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَعِيدِ، وَزَادَ عَلَيْهِمْ فِي تَكَلُّفِ مَا لَا يُفِيدُ. فَصَارَ مِنْ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ. ثُمَّ لَعَلَّهُ لَا يَفْطِنُ لِشَأْنِهِ، وَلَا يَشْعُرُ بِخُسْرَانِهِ، وَقَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَيَفْطِنُ لِلْيَسِيرِ مِنْ مَالِهِ إنْ وَهَى وَاخْتَلَّ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ:
أَبُنَيَّ إنَّ مِنْ الرِّجَالِ بَهِيمَةً ... فِي صُورَةِ الرَّجُلِ السَّمِيعِ الْمُبْصِرِ
فَطِنٌ بِكُلِّ مُصِيبَةٍ فِي مَالِهِ ... وَإِذَا يُصَابُ بِدِينِهِ لَمْ يَشْعُرْ
وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ: وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِيمَا كُلِّفَ. فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ رِيَاءً لِلنَّاظِرِينَ، وَتَصَنُّعًا لِلْمَخْلُوقَيْنِ، حَتَّى

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 103
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست