responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 130
شَاهِدًا عَلَى نَقْصِهِ، وَأَوْضَحَهَا دَلِيلًا عَلَى عَجْزِهِ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ لِابْنِ الرُّومِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
أَعَيَّرْتَنِي بِالنَّقْصِ وَالنَّقْصُ شَامِلٌ ... وَمَنْ ذَا الَّذِي يُعْطَى الْكَمَالَ فَيَكْمُلُ
وَأَشْهَدُ أَنِّي نَاقِصٌ غَيْرَ أَنَّنِي ... إذَا قِيسَ بِي قَوْمٌ كَثِيرٌ تَقَلَّلُوا
تَفَاضَلَ هَذَا الْخَلْقُ بِالْفَضْلِ وَالْحِجَا ... فَفِي أَيِّمَا هَذَيْنِ أَنْتَ مُفَضَّلُ
وَلَوْ مَنَحَ اللَّهُ الْكَمَالَ ابْنَ آدَمَ ... لَخَلَّدَهُ وَاَللَّهُ مَا شَاءَ يَفْعَلُ
وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ مَاسَّ الْحَاجَةِ ظَاهِرَ الْعَجْزِ جَعَلَ لِنَيْلِ حَاجَتِهِ أَسْبَابًا، وَلِدَفْعِ عَجْزِهِ حِيَلًا دَلَّهُ عَلَيْهَا بِالْعَقْلِ، وَأَرْشَدَهُ إلَيْهَا بِالْفَطِنَةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 3] . قَالَ مُجَاهِدٌ: قَدَّرَ أَحْوَالَ خَلْقِهِ فَهَدَى إلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10] . يَعْنِي الطَّرِيقَيْنِ: طَرِيقَ الْخَيْرِ وَطَرِيقَ الشَّرِّ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْعَقْلُ دَالًا عَلَى أَسْبَابِ مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ، جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِدْرَاكَ وَالظَّفَرَ مَوْقُوفًا عَلَى مَا قَسَمَ وَقَدَّرَ كَيْ لَا يَعْتَمِدُوا فِي الْأَرْزَاقِ عَلَى عُقُولِهِمْ، وَفِي الْعَجْزِ عَلَى فِطَنِهِمْ، لِتَدُومَ لَهُ الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ، وَيَظْهَرَ مِنْهُ الْغِنَى وَالْقُدْرَةُ. وَرُبَّمَا عَزَبَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَنْ سَاءَ ظَنُّهُ بِخَالِقِهِ حَتَّى صَارَ سَبَبًا لِضَلَالِهِ.
كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
سُبْحَانَ مَنْ أَنْزَلَ الْأَيَّامَ مَنْزِلَهَا ... وَصَيَّرَ النَّاسَ مَرْفُوضًا وَمَرْمُوقَا
فَعَاقِلٌ فَطِنٌ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ ... وَجَاهِلٌ خَرِقٌ تَلْقَاهُ مَرْزُوقَا
هَذَا الَّذِي تَرَكَ الْأَلْبَابَ حَائِرَةً ... وَصَيَّرَ الْعَاقِلَ النِّحْرِيرَ زِنْدِيقَا
وَلَوْ حَسُنَ ظَنُّ الْعَاقِلِ فِي صِحَّةِ نَظَرِهِ لَعَلِمَ مِنْ عِلَلِ الْمَصَالِحِ مَا صَارَ بِهِ صِدِّيقًا لَا زِنْدِيقًا؛ لِأَنَّ مِنْ عِلَلِ الْمَصَالِحِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَامِضٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَغِيبُ حِكْمَةٍ اسْتَأْثَرَ بِهَا.
وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ «حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ» . ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ أَسْبَابَ حَاجَاتِهِ وَحِيَلَ عَجْزِهِ فِي الدُّنْيَا الَّتِي جَعَلَهَا دَارَ تَكْلِيفٍ وَعَمَلٍ، كَمَا جَعَلَ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 130
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست