responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 139
وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: فَهِيَ عَدْلٌ شَامِلٌ يَدْعُو إلَى الْأُلْفَةِ، وَيَبْعَثُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَتَتَعَمَّرُ بِهِ الْبِلَادُ، وَتَنْمُو بِهِ الْأَمْوَالُ، وَيَكْثُرُ مَعَهُ النَّسْلُ، وَيَأْمَنُ بِهِ السُّلْطَانُ. فَقَدْ قَالَ الْمَرْزُبَانُ لِعُمَرَ، حِينَ رَآهُ وَقَدْ نَامَ مُتَبَذِّلًا: عَدَلْت فَأَمِنْت فَنِمْت. وَلَيْسَ شَيْءٌ أَسْرَعُ فِي خَرَابِ الْأَرْضِ وَلَا أَفْسَدُ لِضَمَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ الْجَوْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ وَلَا يَنْتَهِي إلَى غَايَةٍ، وَلِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ قِسْطٌ مِنْ الْفَسَادِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «بِئْسَ الزَّادُ إلَى الْمَعَادِ، الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِ» .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ، وَثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ. فَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ: فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ. وَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» . وَحُكِيَ أَنَّ الْإِسْكَنْدَرَ قَالَ لِحُكَمَاءِ الْهِنْدِ، وَقَدْ رَأَى قِلَّةَ الشَّرَائِعِ بِهَا: لِمَ صَارَتْ سُنَنُ بِلَادِكُمْ قَلِيلَةً؟ قَالُوا: لِإِعْطَائِنَا الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَلِعَدْلِ مُلُوكِنَا فِينَا. فَقَالَ لَهُمْ: أَيُّمَا أَفْضَلُ، الْعَدْلُ أَوْ الشُّجَاعَةُ؟ قَالُوا: إذَا اُسْتُعْمِلَ الْعَدْلُ أَغْنَى عَنْ الشُّجَاعَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ تَكُونُ مُدَّةُ الِائْتِلَافِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: إنَّ الْعَدْلَ مِيزَانُ اللَّهِ الَّذِي وَضَعَهُ لِلْخَلْقِ، وَنَصَبَهُ لِلْحَقِّ، فَلَا تُخَالِفْهُ فِي مِيزَانِهِ، وَلَا تُعَارِضْهُ فِي سُلْطَانِهِ، وَاسْتَعِنْ عَلَى الْعَدْلِ بِخُلَّتَيْنِ: قِلَّةُ الطَّمَعِ، وَكَثْرَةُ الْوَرَعِ.
فَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ مِنْ إحْدَى قَوَاعِدِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا انْتِظَامَ لَهَا إلَّا بِهِ، وَلَا صَلَاحَ فِيهَا إلَّا مَعَهُ، وَجَبَ أَنْ نَبْدَأَ بِعَدْلِ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ بِعَدْلِهِ فِي غَيْرِهِ. فَأَمَّا عَدْلُهُ فِي نَفْسِهِ فَيَكُونُ بِحَمْلِهَا عَلَى الْمَصَالِحِ، وَكَفِّهَا عَنْ الْقَبَائِحِ، ثُمَّ بِالْوُقُوفِ فِي أَحْوَالِهَا عَلَى أَعْدَلِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ تَجَاوُزٍ أَوْ تَقْصِيرٍ. فَإِنَّ التَّجَاوُزَ فِيهَا جَوْرٌ، وَالتَّقْصِيرَ فِيهَا ظُلْمٌ. وَمَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَهُوَ لِغَيْرِهِ أَظْلَمُ، وَمَنْ جَارَ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَى غَيْرِهِ أَجْوَرُ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ تَوَانَى فِي نَفْسِهِ ضَاعَ. وَأَمَّا عَدْلُهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ يَنْقَسِمُ حَالُ الْإِنْسَانِ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: عَدْلُ الْإِنْسَانِ فِيمَنْ دُونَهُ كَالسُّلْطَانِ فِي رَعِيَّتِهِ، وَالرَّئِيسِ مَعَ صَحَابَتِهِ، فَعَدْلُهُ فِيهِمْ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: بِاتِّبَاعِ الْمَيْسُورِ، وَحَذْفِ الْمَعْسُورِ، وَتَرْكِ التَّسَلُّطِ بِالْقُوَّةِ، وَابْتِغَاءِ الْحَقِّ فِي

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 139
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست