responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 149
وَحَمِيَّةَ الْقَرَابَةِ يَبْعَثَانِ عَلَى التَّنَاصُرِ وَالْأُلْفَةِ، وَيَمْنَعَانِ مِنْ التَّخَاذُلِ وَالْفُرْقَةِ، أَنَفَةً مِنْ اسْتِعْلَاءِ الْأَبَاعِدِ عَلَى الْأَقَارِبِ، وَتَوَقِّيًا مِنْ تَسَلُّطِ الْغُرَبَاءِ الْأَجَانِبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الرَّحِمَ إذَا تَمَاسَّتْ تَعَاطَفَتْ» . وَلِذَلِكَ حَفِظَتْ الْعَرَبُ أَنْسَابَهَا لَمَّا امْتَنَعَتْ عَنْ سُلْطَانٍ يَقْهَرُهَا وَيَكُفُّ الْأَذَى عَنْهَا لِتَكُونَ بِهِ مُتَظَافِرَةً عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا، مُتَنَاصِرَةً عَلَى مَنْ شَاقَّهَا وَعَادَاهَا، حَتَّى بَلَغَتْ بِأُلْفَةِ الْأَنْسَابِ تَنَاصُرَهَا عَلَى الْقَوِيِّ الْأَيِّدِ وَتَحَكَّمَتْ بِهِ تَحَكُّمَ الْمُتَسَلِّطِ الْمُتَشَطِّطِ.
وَقَدْ أَعْذَرَ نَبِيُّ اللَّهِ لُوطٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَفْسَهُ حِينَ عَدِمَ عَشِيرَةً تَنْصُرُهُ، فَقَالَ لِمَنْ بُعِثَ إلَيْهِمْ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] . يَعْنِي عَشِيرَةً مَانِعَةً. وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» . يَعْنِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا إلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ» . وَقَالَ وَهْبٌ: لَقَدْ وَرَدَتْ الرُّسُلُ عَلَى لُوطٍ وَقَالُوا: إنَّ رُكْنَك لَشَدِيدٌ. وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «أَنَّهُ كَانَ لَا يَتْرُكُ الْمَرْءَ مُفْرَجًا حَتَّى يَضُمَّهُ إلَى قَبِيلَةٍ يَكُونُ فِيهَا» . قَالَ الرِّيَاشِيُّ: الْمُفْرَجُ الَّذِي لَا يَنْتَمِي إلَى قَبِيلَةٍ يَكُونُ مِنْهَا. وَكُلُّ ذَلِكَ حَثٌّ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأُلْفَةِ وَكَفٌّ عَنْ الْفُرْقَةِ. وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» .
وَإِذَا كَانَ النَّسَبُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مِنْ الْأُلْفَةِ فَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ عَوَارِضُ تَمْنَعُ مِنْهَا، وَتَبْعَثُ عَلَى الْفُرْقَةِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا. فَإِذَنْ قَدْ لَزِمَ أَنْ نَصِفَ حَالَ الْأَنْسَابِ، وَمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ الْأَسْبَابِ. فَجُمْلَةُ الْأَنْسَابِ أَنَّهَا تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ وَالِدُونَ، وَقِسْمٌ مَوْلُودُونَ، وَقِسْمٌ مُنَاسِبُونَ. وَلِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَةٌ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَعَارِضٌ يَطْرَأُ فَيَبْعَثُ عَلَى الْعُقُوقِ وَالْقَطِيعَةِ.
فَأَمَّا الْوَالِدُونَ فَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ. وَهُمْ مَوْسُومُونَ مَعَ سَلَامَةِ أَحْوَالِهِمْ بِخُلُقَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَازِمٌ بِالطَّبْعِ، وَالثَّانِي حَادِثٌ بِاكْتِسَابٍ. فَأَمَّا مَا كَانَ لَازِمًا بِالطَّبْعِ فَهُوَ الْحَذَرُ وَالْإِشْفَاقُ. وَذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 149
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست