responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 20
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] .
فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْعَقْلَ عِلْمٌ، وَالثَّانِي: أَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ. وَفِي قَوْله تَعَالَى: {يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] ، تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَعْلَمُونَ بِهَا، وَالثَّانِي يَعْتَبِرُونَ بِهَا. فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي الْعَقْلِ الْغَرِيزِيِّ.

وَأَمَّا الْعَقْلُ الْمُكْتَسَبُ فَهُوَ نَتِيجَةُ الْعَقْلِ الْغَرِيزِيِّ وَهُوَ نِهَايَةُ الْمَعْرِفَةِ، وَصِحَّةُ السِّيَاسَةِ، وَإِصَابَةُ الْفِكْرَةِ. وَلَيْسَ لِهَذَا حَدٌّ؛ لِأَنَّهُ يَنْمُو إنْ اُسْتُعْمِلَ وَيَنْقُصُ إنْ أُهْمِلَ. وَنَمَاؤُهُ يَكُونُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَانِعٌ مِنْ هَوًى وَلَا صَادٌّ مِنْ شَهْوَةٍ، كَاَلَّذِي يَحْصُلُ لِذَوِي الْأَسْنَانِ مِنْ الْحُنْكَةِ وَصِحَّةِ الرَّوِيَّةِ بِكَثْرَةِ التَّجَارِبِ وَمُمَارَسَةِ الْأُمُورِ. وَلِذَلِكَ حَمِدَتْ الْعَرَبُ آرَاءَ الشُّيُوخِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَشَايِخُ أَشْجَارُ الْوَقَارِ، وَمَنَاجِعُ الْأَخْبَارِ، لَا يَطِيشُ لَهُمْ سَهْمٌ، وَلَا يَسْقُطُ لَهُمْ وَهْمٌ، إنْ رَأَوْك فِي قَبِيحٍ صَدُّوك، وَإِنْ أَبْصَرُوك عَلَى جَمِيلٍ أَمَدُّوك.
وَقِيلَ: عَلَيْكُمْ بِآرَاءِ الشُّيُوخِ فَإِنَّهُمْ إنْ فَقَدُوا ذَكَاءَ الطَّبْعِ فَقَدْ مَرَّتْ عَلَى عُيُونِهِمْ وُجُوهُ الْعِبْرِ، وَتَصَدَّتْ لِأَسْمَاعِهِمْ آثَارُ الْغَيْرِ.
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ نَقَصَتْ قُوَّةُ بَدَنِهِ وَزَادَتْ قُوَّةُ عَقْلِهِ. وَقِيلَ فِيهِ: لَا تَدَعُ الْأَيَّامُ جَاهِلًا إلَّا أَدَّبَتْهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كَفَى بِالتَّجَارِبِ تَأَدُّبًا وَبِتَقَلُّبِ الْأَيَّامِ عِظَةً. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: التَّجْرِبَةُ مِرْآةُ الْعَقْلِ، وَالْغِرَّةُ ثَمَرَةُ الْجَهْلِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: كَفَى مُخَبِّرًا عَمَّا بَقِيَ مَا مَضَى وَكَفَى عِبَرًا لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا جَرَّبُوا. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْعَقْلَ زَيْنٌ لِأَهْلِهِ ... وَلَكِنْ تَمَامُ الْعَقْلِ طُولُ التَّجَارِبِ
وَقَالَ آخَرُ:
إذَا طَالَ عُمْرُ الْمَرْءِ فِي غَيْرِ آفَةٍ ... أَفَادَتْ لَهُ الْأَيَّامُ فِي كَرِّهَا عَقْلَا
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَقَدْ يَكُونُ بِفَرْطِ الذَّكَاءِ وَحُسْنِ الْفِطْنَةِ. وَذَلِكَ جَوْدَةٌ الْحَدْسِ فِي زَمَانٍ غَيْرِ مُهْمِلٍ لِلْحَدْسِ، فَإِذَا امْتَزَجَ بِالْعَقْلِ الْغَرِيزِيِّ صَارَتْ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 20
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست