responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 276
هَذَيَانٌ، وَمَا لَا سَبَبَ لَهُ هَجْرٌ. وَمَنْ سَامَحَ نَفْسَهُ فِي الْكَلَامِ، إذَا عَنَّ وَلَمْ يُرَاعِ صِحَّةَ دَوَاعِيهِ، وَإِصَابَةَ مَعَانِيهِ، كَانَ قَوْلُهُ مَرْذُولًا، وَرَأْيُهُ مَعْلُولًا، كَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَائِشَةَ أَنَّ شَابًّا كَانَ يُجَالِسُ الْأَحْنَفَ وَيُطِيلُ الصَّمْتَ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْأَحْنَفَ فَخَلَتْ الْحَلْقَةُ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ: تَكَلَّمْ يَا ابْنَ أَخِي. فَقَالَ: يَا عَمِّ لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَقَطَ مِنْ شُرَفِ هَذَا الْمَسْجِدِ هَلْ كَانَ يَضُرُّهُ شَيْءٌ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَيْتَنَا تَرَكْنَاك مَسْتُورًا. ثُمَّ تَمَثَّلَ الْأَحْنَفُ بِقَوْلِ الْأَعْوَرِ الشَّنِّيُّ:
وَكَائِنٌ تَرَى مِنْ صَاحِبٍ لَك مُعْجِبٌ ... زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ
لِسَانُ الْفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ ... فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
وَكَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْفَقِيهِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَجْلِسُ إلَيْهِ فَيُطِيلُ الصَّمْتَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ: أَلَا تَسْأَلُ؟ قَالَ: بَلَى. مَتَى يُفْطِرُ الصَّائِمُ؟ قَالَ: إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَغْرُبْ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: فَتَبَسَّمَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَمَثَّلَ بِبَيْتِيِّ الْخَطَفِيِّ جَدِّ جَرِيرٍ:
عَجِبْتُ لِإِزْرَاءِ الْعَيِيِّ بِنَفْسِهِ ... وَصَمْتِ الَّذِي قَدْ كَانَ بِالْعِلْمِ أَعْلَمَا
وَفِي الصَّمْتِ سِتْرٌ لِلْغَبِيِّ وَإِنَّمَا ... صَحِيفَةُ لُبِّ الْمَرْءِ أَنْ يَتَكَلَّمَا
وَمِمَّا أُطْرِفُك بِهِ عَنِّي أَنِّي كُنْتُ يَوْمًا فِي مَجْلِسِي بِالْبَصْرَةِ وَأَنَا مُقْبِلٌ عَلَى تَدْرِيسِ أَصْحَابِي إذْ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ مُسِنٌّ قَدْ نَاهَزَ الثَّمَانِينَ أَوْ جَاوَزَهَا. فَقَالَ لِي: قَدْ قَصَدْتُك بِمَسْأَلَةٍ اخْتَرْتُك لَهَا. فَقُلْت: اسْأَلْ - عَافَاك اللَّهُ - وَظَنَنْتُهُ يَسْأَلُ عَنْ حَادِثٍ نَزَلَ بِهِ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ نَجْمِ إبْلِيسَ، وَنَجْمِ آدَمَ، مَا هُوَ؟ فَإِنَّ هَذَيْنِ لِعِظَمِ شَأْنِهِمَا لَا يُسْأَلُ عَنْهُمَا إلَّا عُلَمَاءُ الدِّينِ. فَعَجِبْتُ وَعَجِبَ مَنْ فِي مَجْلِسِي مِنْ سُؤَالِهِ وَبَدَرَ إلَيْهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ بِالْإِنْكَارِ وَالِاسْتِخْفَافِ فَكَفَفْتُهُمْ وَقُلْتُ: هَذَا لَا يَقْنَعُ مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ إلَّا بِجَوَابٍ مِثْلِهِ. فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: يَا هَذَا إنَّ الْمُنَجِّمِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ نُجُومَ النَّاسِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ مَوَالِيدِهِمْ فَإِنْ ظَفَرْتَ بِمَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ فَاسْأَلْهُ. فَحِينَئِذٍ أَقْبَلَ عَلَيَّ وَقَالَ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا. ثُمَّ انْصَرَفَ مَسْرُورًا. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ عَادَ وَقَالَ:

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 276
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست