responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 279
كَفَاهُ، وَإِذَا وَجَدَ طُومَارًا أَمْلَاهُ.
وَأَنْشُدَ بَعْضُهُمْ فِي خُطَبَاءِ إيَادٍ:
يَرْمُونَ بِالْخُطَبِ الطِّوَالِ وَتَارَةً ... وَحْيَ الْمَلَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ
وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ صَالِحٍ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إذَا أَقْلَلْتَ مِنْ الْكَلَامِ أَكْثَرْتَ مِنْ الصَّوَابِ. فَقَالَ: يَا أَبَتِ فَإِنْ أَنَا أَكْثَرْتُ وَأَكْثَرْت يَعْنِي كَلَامًا وَصَوَابًا. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ مَا رَأَيْتُ مَوْعُوظًا أَحَقَّ بِأَنْ يَكُونَ وَاعِظًا مِنْك. وَأَنْشَدْت لِأَبِي الْفَتْحِ الْبُسْتِيِّ:
تَكَلَّمْ وَسَدِّدْ مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّمَا ... كَلَامُكَ حَيٌّ وَالسُّكُوتُ جَمَادُ
فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَوْلًا سَدِيدًا تَقُولُهُ ... فَصَمْتُكَ عَنْ غَيْرِ السَّدَادِ سَدَادُ
وَقِيلَ لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: مَا فِيك عَيْبٌ إلَّا كَثْرَةُ الْكَلَامِ، فَقَالَ: أَفَتَسْمَعُونَ صَوَابًا أَوْ خَطَأً؟ قَالُوا: لَا بَلْ صَوَابًا. قَالَ: فَالزِّيَادَةُ مِنْ الْخَيْرِ خَيْرٌ. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْجَاحِظُ: لِلْكَلَامِ غَايَةٌ، وَلِنَشَاطِ السَّامِعِينَ نِهَايَةٌ. وَمَا فَضَلَ عَنْ مِقْدَارِ الِاحْتِمَالِ، وَدَعَا إلَى الِاسْتِثْقَالِ وَالْمَلَالِ، فَذَلِكَ الْفَاضِلُ هُوَ الْهَذْرُ. وَصَدَقَ أَبُو عُثْمَانَ؛ لِأَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ صَوَابًا يُمِلُّ السَّامِعَ وَيُكِلُّ الْخَاطِرَ وَهُوَ صَادِرٌ عَنْ إعْجَابٍ بِهِ لَوْلَاهُ قَصُرَ عَنْهُ.
وَمَنْ أُعْجِبَ بِكَلَامِهِ اسْتَرْسَلَ فِيهِ، وَالْمُسْتَرْسِلُ فِي الْكَلَامِ كَثِيرُ الزَّلَلِ دَائِمُ الْعِثَارِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أُعْجِبَ بِقَوْلِهِ أُصِيبَ بِعَقْلِهِ. وَلَيْسَ لِكَثْرَةِ الْهَذْرِ رَجَاءٌ يُقَابِلُ خَوْفَهُ، وَلَا نَفْعٌ يُوَازِي ضُرَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ نَفْسِهِ الزَّلَلَ، وَمِنْ سَامِعِيهِ الْمَلَلَ. وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ هَذَيْنِ حَاجَةٌ دَاعِيَةٌ وَلَا نَفْعٌ مَرْجُوٌّ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَبْغَضُكُمْ إلَيَّ الْمُتَفَيْهِقُ الْمِكْثَارُ وَالْمُلِحُّ الْمِهْذَارُ» . وَسَأَلَ رَجُلٌ حَكِيمًا فَقَالَ: مَتَى أَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: إذَا اشْتَهَيْتَ الصَّمْتَ. فَقَالَ: مَتَى أَصْمُتُ؟ قَالَ: إذَا اشْتَهَيْتَ الْكَلَامَ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى: إذَا كَانَ الْإِيجَازُ كَافِيًا كَانَ الْإِكْثَارُ عِيًّا، وَإِنْ كَانَ الْإِكْثَارُ وَاجِبًا كَانَ التَّقْصِيرُ عَجْزًا.
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: إذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَنْ أَطَالَ صَمْتَهُ اجْتَلَبَ مِنْ الْهَيْبَةِ مَا يَنْفَعُهُ، وَمِنْ الْوَحْشَةِ مَا لَا يَضُرُّهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: عِيٌّ تَسْلَمُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنْ مَنْطِقٍ تَنْدَمُ عَلَيْهِ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 279
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست