responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 313
الْكِنْدِيِّ أَنَّ الْقُشَيْرِيَّ وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ عَقِيلٍ. قَالَ: مِنْ أَيِّ عَقِيلٍ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي خَفَاجَةَ. فَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: رَأَيْت شَيْخًا مِنْ بَنِي خَفَاجَةَ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: مَا شَأْنُهُ؟ قَالَ: لَهُ إذَا جَنَّ الظَّلَامُ حَاجَةٌ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: مَا هِيَ؟ قَالَ: كَحَاجَةِ الدِّيكِ إلَى الدَّجَاجَةِ. فَاسْتَعْبَرَ الْأَعْرَابِيُّ ضَاحِكًا، وَقَالَ: - قَاتَلَك اللَّهُ - مَا أَعْرَفَك بِسَرَائِرِ الْقَوْمِ. فَانْظُرْ كَيْفَ بَلَغَ بِهَذَا الْمَزْحَ غَايَتَهُ، وَلِسَانُهُ نَزِهٌ، وَعِرْضُهُ مَصُونٌ.
وَهَذَا غَايَةُ مَا يَتَسَامَحُ بِهِ الْفُضَلَاءُ مِنْ الْخَلَاعَةِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَكْرَهَ الْفَحْوَى وَالنَّزَاهَةُ عَنْ مِثْلِهِ أَوْلَى. وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَسْتَرْسِلَ فِي مُمَازَحَةِ عَدُوٍّ فَيَجْعَلَ لَهُ طَرِيقًا إلَى إعْلَانِ الْمَسَاوِئِ وَهُوَ مُجِدٌّ، وَيُفْسِحَ لَهُ فِي التَّشَفِّي مَزْحًا وَهُوَ مُحِقٌّ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إذَا مَازَحْت عَدُوَّك ظَهَرَتْ لَهُ عُيُوبُك.
وَأَمَّا الضَّحِكُ فَإِنَّ اعْتِيَادَهُ شَاغِلٌ عَنْ النَّظَرِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، مُذْهِلٌ عَنْ الْفِكْرِ فِي النَّوَائِبِ الْمُلِمَّةِ. وَلَيْسَ لِمَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ هَيْبَةٌ وَلَا وَقَارٌ، وَلَا لِمَنْ وُصِمَ بِهِ خَطَرٌ وَلَا مِقْدَارٌ. رَوَى أَبُو إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيُذْهِبُ بِنُورِ الْوَجْهِ» . وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] إنَّ الصَّغِيرَةَ الضَّحِكُ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ كَثُرَ ضَحِكُهُ قَلَّتْ هَيْبَتُهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: إذَا ضَحِكَ الْعَالِمُ ضِحْكَةً مَجَّ مِنْ الْعِلْمِ مَجَّةً.
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: ضِحْكَةُ الْمُؤْمِنِ غَفْلَةٌ مِنْ قَلْبِهِ. وَالْقَوْلُ فِي الضَّحِكِ كَالْقَوْلِ فِي الْمِزَاحِ إنْ تَجَافَاهُ الْإِنْسَانُ نَفَرَ عَنْهُ وَأَوْحَشَ مِنْهُ، وَإِنْ أَلِفَهُ كَانَتْ حَالُهُ مَا وَصَفْنَا. فَلْيَكُنْ بَدَلُ الضَّحِكِ عِنْدَ الْإِينَاسِ تَبَسُّمًا. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: التَّبَسُّمُ دُعَابَةٌ.

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 313
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست