responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 356
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَوْمُ الضُّحَى خَرَقٌ، وَالْقَيْلُولَةِ خَلَقٌ، وَنَوْمُ الْعَشِيِّ حُمْقٌ» . وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَنْ لَزِمَ الرُّقَادَ عَدِمَ الْمُرَادَ. فَإِذَا أَعْطَى النَّفْسَ حَقَّهَا مِنْ النَّوْمِ وَالدَّعَةِ، وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ بِالتَّصَرُّفِ وَالْيَقِظَةِ، خَلَصَ بِالِاسْتِرَاحَةِ مِنْ عَجْزِهَا وَكَلَالِهَا، وَسَلِمَ بِالرِّيَاضَةِ مِنْ بَلَادَتِهَا وَفَسَادِهَا.
وَحُكِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا فَقَالَ: يَا أَبَتِ أَتَنَامُ وَالنَّاسُ بِالْبَابِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ نَفْسِي مَطِيَّتِي وَأَكْرَهُ أَنْ أُتْعِبَهَا فَلَا تَقُومَ بِي. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَسِّمَ حَالَةَ تَصَرُّفِهِ وَيَقِظَتِهِ عَلَى الْمُهِمِّ مِنْ حَاجَاتِهِ فَإِنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ لَازِمَةٌ وَالزَّمَانُ يَقْصُرُ عَنْ اسْتِيعَابِ الْمُهِمِّ، فَكَيْفَ بِهِ إنْ تَجَاوَزَ إلَى مَا لَيْسَ بِمُهِمٍّ هَلْ يَكُونُ إلَّا:
كَتَارِكَةٍ بَيْضَهَا بِالْعَرَاءِ ... وَمُلْبِسَةٍ بَيْضَ أُخْرَى جَنَاحَا
ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَفَّحَ فِي لَيْلِهِ مَا صَدَرَ مِنْ أَفْعَالِ نَهَارِهِ، فَإِنَّ اللَّيْلَ أَخْطَرُ لِلْخَاطِرِ وَأَجْمَعُ لِلْفِكْرِ. فَإِنْ كَانَ مَحْمُودًا أَمْضَاهُ وَأَتْبَعَهُ بِمَا شَاكَلَهُ وَضَاهَاهُ، وَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا اسْتَدْرَكَهُ إنْ أَمْكَنَ وَانْتَهَى عَنْ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَجَدَ أَفْعَالَهُ لَا تَنْفَكُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ فِيهَا الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ بِهَا، أَوْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ فِيهَا فَوَضَعَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، أَوْ يَكُونَ قَصَّرَ فِيهَا فَنَقَصَتْ عَنْ حُدُودِهَا، أَوْ يَكُونَ قَدْ زَادَ فِيهَا حَتَّى تَجَاوَزَتْ مَحْدُودَهَا. وَهَذَا التَّصَفُّحُ إنَّمَا هُوَ اسْتِظْهَارٌ بَعْدَ تَقْدِيمِ الْفِكْرِ قَبْلَ الْفِعْلِ لِيَعْلَمَ بِهِ مَوَاقِعَ الْإِصَابَةِ وَيَنْتَهِزَ بِهِ اسْتِدْرَاكَ الْخَطَأِ.
وَقَدْ قِيلَ: مَنْ كَثُرَ اعْتِبَارُهُ قَلَّ عِثَارُهُ. وَكَمَا يَتَصَفَّحُ أَحْوَالَ نَفْسِهِ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَحْوَالَ غَيْرِهِ، فَرُبَّمَا كَانَ اسْتِدْرَاكُهُ الصَّوَابَ مِنْهَا أَسْهَلَ بِسَلَامَةِ النَّفْسِ مِنْ شُبْهَةِ الْهَوَى، وَخُلُوِّ الْخَاطِرِ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ، فَإِنْ ظَفِرَ بِصَوَابٍ وَجَدَهُ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ أَعْجَبَهُ جَمِيلٌ مِنْ فِعْلِهِ زَيَّنَ نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ بِهِ. فَإِنَّ السَّعِيدَ مَنْ تَصَفَّحَ أَفْعَالَ غَيْرِهِ فَاقْتَدَى بِأَحْسَنِهَا وَانْتَهَى عَنْ سَيِّئِهَا.
وَقَدْ رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «السَّعِيد مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ» . وَقَالَ ` الشَّاعِرُ:
إنَّ السَّعِيدَ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ عِظَةٌ ... وَفِي التَّجَارِبِ تَحْكِيمٌ وَمُعْتَبَرُ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 356
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست